معجز احمد (صفحة 294)

وقيل: إن اللذاذة هي لذة الهوى، ومعناه: اجعل ملامتك إياي في لذتي مطرودة عني، كالنوم المطرود بالسهاد والبكاء ومعناه: اصرف ملامتك عني من جميع الوجوه. والهاء في قوله بسهاده وبكائه راجع إلى قوله ربها.

لا تعذر المشتاق في أشواقه ... حتّى يكون حشاك في أحشائه

يقول: أيها اللائم أنت لا تقبل عذر العاشق! حتى تبتلي بمثل ما ابتلي به من الصبابة والاشتياق، فيكون في قلبك من لوعة الشوق مثل ما في قلب المشتاق.

ومثله للبحتري:

إذا شئت ألاّ تعذل الدّهر عاشقاً ... على كمدٍ من لوعة البين فاعشق

ومثله لآخر:

وإنّما يعرف العشّاق من عشقا

إن القتيل مضرّجاً بدموعه ... مثل القتيل مضرّجاً بدمائه

مضرج: أي مخضب. وقد نصب على الحال في الموضعين.

يقول: إذا دام عذلك علي هلكت أنا، فتكون أنت قد قتلتني! فإنه إذا جرت دموعي حتى أموت، كنت مثل القتيل الذي يسيل دمه، فالمقتول بالعذل هو كالمقتول بالسيف، فهذا يسيل دموعه، وذاك يسيل دمه.

والعشق كالمعشوق يعذب قربه ... للمبتلي وينال من حوبائه

الحوباء: النفس.

يقول: العشق محبوب للعاشق، كما أن المعشوق محبوب إليه، فيتلذذ العاشق بقرب المعشوق وإن كان يذيب جسمه ويؤلم قلبه.

لو قلت للدّنف الحزين: فديته ... ممّا به لأغرته بفدائه

الدنف: الذي أدنفه الحب، وأغرته: أي حملته على الغيرة.

يقول: إن العاشق يشتهي العشق، ويلتذ بغرامه وطول سقامه، حتى لو قلت له: قد جعلني الله فداك مما بك، وأنزل بي سقمك لحملته على الغيرة.

وقيل. معناه لو قلت له: دعني حتى أتحمل عنك مؤن العشق وتكاليفه، لغار عليك. فالأول على الدعاء والثاني على الأمر. وقوله: بفدائه: أي بفدائك إياه، وأضاف المصدر إلى المفعول، وحذف الفاعل.

وقى الأمير هوى العيون، فإنّه ... ما لا يزول ببأسه وسخائه

هوى: في موضع النصب، على أنه خبر ما لم يسم فاعله، واسمه الأمير يخاطب سيف الدولة.

يقول: وقاك الله هوى العيون، فإنه أمر لا يمكنك إزالته عن نفسك، بسخائك وشجاعتك. وقوله: هوى العيون: مصدر مضاف إلى المفعول: أي وقى الأمير هواه للعيون.

يستأسر البطل الكميّ بنظرةٍ ... ويحول بين فؤاده وعزائه

يستأسر: أي يأسر، وهو في الأصل بمعنى الاستسلام للأسر، وروى: يستأصل.

يقول: إن الرجل الشجاع لا يقدر على دفع الهوى عن نفسه، بل يأسره هذا الهوى بنظرة واحدة من نظرات العين! ويحول بين قلبه وصبره، فوقى الله تعالى الأمير ذلك.

إنّي دعوتك للنّوائب دعوةً ... لم يدع سامعها إلى أكفانه

الضمير في سامعها للدعوة، وفي أكفائه لسامعها. وأراد بالسامع سيف الدولة.

يقول: إني دعوتك لتنصرني على نوائب الدهر، كل نائبة - وإن خلت - تقصر عن أن تدعى لها، لأنا لا نجد ما يكون كفواً لك منها، فندعوك إليه، لكن لما لم أجد أحداً أستعين به عليها غيرك، دعوتك لها لتزيلها عني، وإن لم تكن النوائب من أكفائك.

فأتيت من فوق الزّمان وتحته ... متصلصلاً وأمامه وورائه

متصلصلاً: أي له صلصلة، وهي صوت الحديد عند السرعة.

يقول: لما دعوتك للنوائب أجبتني في أسرع وقت، وأحطت بالزمان من جميع جهاته، وكأنك أتيت ولأسلحتك صلصلة لسرعتك.

وقيل: معناه: أنك لما كنت سيفاً دعوتك للنوائب لتقطعها عني، فأتيت مسرعاً في الإجابة، ولك صلصلة، وهي صوت السيف والحديد.

من للسّيوف بأن تكون سميّها ... في أصله، وفرنده، ووفائه

التاء في تكون قيل: ضمير للسيوف، وقيل: خطاب لسيف الدولة وكذلك إذا روى: بالياء.

يقول: من للسيوف بأن تكون هي مثل سميها الذي هو سيف الدولة، أو أن تكون أنت سمي السيوف، بل له عليها مزية، في أصله وجوهره ووفائه.

طبع الحديد فكان من أجناسه ... وعليٌّ المطبوع من آبائه

يقول: إن كل واحد من سيف الدولة وسيف الحديد، رجع إلى أصله وجنسه، وإن اتفق الاشتراك في الاسم، فالسيوف ترجع إلى جنسها الذي طبعت منه وهو الحديد، فليس لها فعل سوى القطع وسيف الدولة يرجع إلى آبائه في الخصال الحميدة، من الوفاء والسخاء، ويشاركها في القطع والمضاء. ومراده تفضيله على السيف الحقيقي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015