معجز احمد (صفحة 295)

والأبيات التي أجازها أبو الطيب لأبي ذر: سهل بن محمد البصري الكاتب مؤدب سيف الدولة. وهي:

يا لائمي كفّ الملام عن الذي ... أضناه طول سقامه وشقائه

إن كنت ناصحه فداو سقامه ... وأعنه ملتمساً لأمر شفائه

حتّى يقال بأنّك الخلّ الّذي ... يرجى لشدّة دهره ورخائه

أولا فدعه فما به يكفيه من ... طول الملام فلست من نصحائه

نفسي الفداء لمن عصيت عواذلاً ... في حبّه لم أخش من رقبائه

فالشّمس تطلع من أسرّة وجهه ... والبدر يطلع من خلال قبائه

وجاء رسول سيف الدولة مستعجلا، ومعه رقعة فيها بيتان للعباس بن الأحنف في كتمان السر، يسأله إجازتهما وهما:

امتّي تخاف انتشار الحديث ... وحظّي في ستره أوفر

فإن لم أصنع لبقيا عليك ... نظرت لنفسي كما تنظر

فقال أبو الطيب:

رضاك رضاي الّذي أوثر ... وسرّك سرّى فما أظهر

يقول: الذي ترضى به فهو رضائي الذي أوثره، وسرك مثل سري أكتمه كما أكتم سري، ولا أظهره لأحد.

كفتك المروءة ما تتّقى ... وآمنك الودّ ما تحذر

الكاف في كفتك المفعول الأول لكفي. وما يتقى: المفعول الثاني، وكذلك الكاف في آمنك، وما تحذر.

يقول: إن مودتي لك ومروءتي آمناك ما تخاف من إفشاء السر، فلا تحذر على سرك من جانبي.

وسرّكم في الحشا ميّتٌ ... إذا أنشر السّرّ لا ينشر

يقال: أنشر الله الموتى فنشروا. وروى: إذا نشر من النشر الذي هو ضد الطي، وهو أيضاً في معنى أنشر الله الميت.

يقول: سرك في قلبي كالميت في قبره، وإذا أحيي الموتى يوم القيامة لا يحيي هذا الميت.

يعني: إني لا أظهره إذا أظهر غيري سره.

كأنّي عصت مقلتي فيكم ... وكاتمت القلب ما تبصر

يقول: إن عيني إذا شاهدت شيئاً من أحوالكم لم ترو إلى القلب ما رأته، فكأنها تكاتم القلب ما تبصره.

يعني: أن سركم يصير في قلبي منسياً.

وإفشاء ما أنا مستودعٌ ... من الغدر والحرّ لا يغدر

يقول: السر أمانة وعهد، وإظهاره خيانة، والحر لا يغدر بعهده، فلو أبديت سرك صرت غادراً ولم أكن حراً.

إذا ما قدرت على نطقةٍ ... فإنّي على تركها أقدر

النطقة: المرة الواحدة من النطق. وهي بمنزلة الكلمة، واللفظة يقول: إذا قدرت على أن أنطق بالسر، كنت على السكوت عنه أقدر؛ لأنه أهون من النطق وأيسر.

أصرّف نفسي كما أشتهي ... وأملكها والنقا أحمر

يقول: أنا أملك نفسي، أصرفها كما أريد، وأقهرها على هواها، وأملكها في حال شدة القتال، فمتى أرادت الإحجام قهرتها على الإقدام، فلذلك إذا دعتني نفسي إلى أن أبدي السر قهرتها على كتمانه.

دواليك يا سيفها دولةً ... وأمرك يا خير من يأمر

الدوال كالدولة. ودواليك: نصب على المصدر، وثنى على التكرير: أي أدالك الله دولةً بعد دولة. والهاء في سيفها للدولة. ودولة: تفسير للدولة المضمرة، وهي نصب على التمييز، وقيل: على المصدر، وأمرك: أيضاً نصب بفعل مضمر أي مر أمرك.

يقول: أدام الله دولتك. مرني بأمرك، وخصني بأوامرك ونواهيك، حتى أتشرف به.

أتاني رسولك مستعجلاً ... فلبّاه شعري الّذي أذخر

أراد أذخره، فحذف الضمير.

يقول: جاءني رسولك مستعجلا، يأمرني بإجازة البيتين، فلبيته بشعري الذي أدخره وأعده.

ولو كان يوم وغىً قاتماً ... للبّاه سيفي والأشقر

قاتماً: نصب صفة ليوم. والقاتم: المظلم من شدة الغبار، وروى: أيضا قائماً من قولهم: قامت الحرب. ويوم: نصب لأنه خبر كان، واسمه مضمر: أي لو كان أمرك أو إتيان رسولك إلي يوم وغى.

يقول: لو كان دعاؤك إياي إلى يوم حرب لأجبتك بسيفي وفرسي.

فلا غفل الدّهر عن أهله ... فإنّك عينٌ بها ينظر

فاعل ينظر: ضمير الدهر.

يقول: إنك عين الدهر الذي ينظر بها إلى أهله، فمن أكرمه كان كريماً، ومن أهانه كان مهانا، فكأنه قال: لا زلت أبداً تراعي أهل زمانك إذ الدهر غافل لولا أنك فيه. والغرض: الدعاء بالبقاء ودوام السلامة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015