معجز احمد (صفحة 292)

يقول: زعمت أنك رأيتها في النوم، وشكوت فيها عدمك، فإن كنت معدماً على الحال التي وصفتها، فكيف يأخذك النوم؟!

افتح الجفن واترك القول في النّو ... م وميّز خطاب سيف الأنام

يقول: دع عنك الخطاب في النوم، وافتح الجفن، وميز خطاب سيف الدولة، وهو سيف الخلق كلهم، والذاب عنهم، ولم يمكنه أن يقول: سيف الدولة، لأجل القافية فرده إلى الأنام وروى: سيف الإمام أي الخليفة.

الّذي ليس عنه مغنٍ ولا من ... هـ بديلٌ، ولا لما رام حام

يقول: سيف الدولة، هو الذي لا أحد من الناس يقوم مقامه في الكرم والخصال الحميدة.

وقيل: معناه كل الناس يقتدون به؛ ولا يغنيهم عنه ملك غيره، ولا يجدون له بدلاً يسد مسده، وإن رام أمراً لم يمنعه منه مانع.

كل آخائه كرام بنى الدّن ... يا ولكنّه كريم الكرام

الآخاء: جمع أخ، وقد ذكره سيبويه في كتابه. وروى: كل آبائه. يقول: جميع إخوته أكرم الناس، ولكنه أكرم من إخوته، فهو أكرم الكرام.

وقال وقد أمره سيف الدولة بإجازة الأبيات التي لأبي ذر: سهل بن محمد الكاتب أولها:

بالائمى كفّ الملام عن الذي ... أضناه طول سقامه وشقائه

على هذا الوزن، والروى فقال:

عذل العواذل حول قلبي التّائه ... وهوى الأحبّة منه في سودائه

التائه: المتحير، وقيل: هو المتكبر، وها هنا: الذي لا ينقاد للعاذل. وسوداء القلب، وسويداؤه: الحبة السوداء فيه، وقيل الدم الذي في جوفه.

يقول: هوى أحبتي قد حل وسط فؤادي، وعذل العواذل يحول حوله، وليس يدخله البتة، فلا يبالي القلب به، فكيف يقدر العذول أن يصرفني عنه؟!

يشكو الملام إلى اللّوائم حرّه ... ويصدّ حين يلمن عن برحائه

الهاء في حره للقلب، وكذلك في برحائه والبرحاء: الشدة.

يقول: إن اللوم إ ذا دنا من قلبي أحرقه بحره، فأعرض عنه وعاد إلى اللوائم، يشكو إليهن ما لقي من شدة حرارته، فكأن حر قلبي يصرف اللوم عني، والضمير في يلمن للعواذل.

وبمهجتي يا عاذلي الملك الّذي ... أسخطت أعذل منك في إرضائه

يقول لعاذله: تعذلني على حبه والانقطاع إليه؟! وقد لامني من هو أشد منك عذلا، فلم أقبل منه، بل أسخطته واتبعت رضاء سيف الدولة، ولم ألتفت إلى غيره من الملوك، والهاء في إرضائه للملك.

إن كان قد ملك القلوب فإنّه ... ملك الزّمان بأرضه وسمائه

يقول: إن كان سيف الدولة قد ملك القلوب. بموداتها وثبات حبه فيها، حتى لا تميل إلى غيره، فليس بعجاب؛ فإنه ملك الزمان وجميع ما فيه، فالقلوب بعض ما في الزمان ومن جملة ما ملكه.

وقيل: اسم كان محذوف مضمر: أي إن كان الحبيب الذي يعشق قد ملك قلوب عاشقيه، فإن هذا الحبيب ليس كسائر الأحبة، لأنه إنما يحب لجلالة قدره، وسمو أمره، وإنه إن كان الحبيب المعشوق قد ملك القلوب، فإن هذا الملك قد ملك الزمان بما فيه، فضلا عن القلوب.

الشّمس من حسّاده والنّصر من ... قرنائه، والسّيف من أسمائه

أي: الشمس تحسده على إشراق غرته، وعلو منزلته، والنصر قرينه حيثما توجه نصر على أعدائه، والسيف بعض أسمائه، أي هو مسمى بسيف الدولة.

أين الثّلاثة من ثلاث خلاله ... من حسنه وإبائه ومضائه؟!

الخلال: الخصال.

يقول: أين حسن الشمس من حسن وجهه؟ بل حسنها يعجز عن حسنه! وأين النصر من عزة نفسه وإبائه؟ أي أن النصر يعجز عن نصرة من يريد خذلانه، وأين السيف من مضائه؟ أي هو أمضى وأكثر غناءً منه!

مضت الدّهور وما أتين بمثله ... ولقد أتى فعجزن عن نظرائه

أتى: أي سيف الدولة.

يقول: مضت الدهور قبله، ولم يكن فيها أحد مثله في فضائله! وأتى هو الآن فعجزت الدهور عن الاتيان بأمثاله في زمانه أيضا، فليس له نظير فيما مضى من الزمان ولا في زمانه.

فاستزاده سيف الدولة فقال يمدحه

القلب أعلم يا عذول بدائه ... وأحقّ منك بجفنه وبمائه

الضمائر في قوله: بدائه، وبجفنه، وبمائه، راجعة إلى القلب، وقيل: إنه في قوله بمائه راجع إلى الجفن فقط.

يخاطب عاذله فيقول: القلب أعلم بما يلاقيه من ألم الشوق، والقلب أيضا أولى منك بجفنه ودموعه؛ لأنه المالك للعيون فيصرفها كيف شاء، ويجريها على من يحب، فمالك أيها العاذل والاعتراض عليه؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015