ودخل على سيف الدولة ليلاً وقد رفع سلاح كان بين يديه، وهو في ذكره ووصفه، فقال ارتجالاً:
وصفت لنا ولم نره سلاحاً ... كأنّك واصفٌ وقت النّزال
نصب سلاحاً بوصفت وتقديره: وصفت لنا سلاحاً ولم نره.
يقول: وصفت لنا هذا السلاح، حتى كأنك صورت لنا وقع الحرب، فكأنك واصف وقت النزال، فشوقتنا إلى القتال، بوصفك للسلاح.
وأنّ البيض صفّ على دروعٍ ... فشوّق من رآه إلى القتال
البيض: المغافر، والفعل في شوق للبيض، ورده إلى اللفظ، وكذلك جميع التذكير راجع إليه.
يعني أنك ذكرت أن كل درع جعل عليها بيضتها، وكل من في نفسه شجاعة، إذا رأى آلة القتال اشتاق إلى الطعان.
فلو أطفأت نارك تالديه ... قرأت الخطّ في سود اللّيالي
تا بمعنى: هذه، وهي إشارة إلى السراج يقول: لو أطفات سراجك، لأمكنك أن تقرأ الخط في الليل المظلم، لبريق السلاح ولمعه.
ولو لحظ الدمستق حافتيه ... لقلّب رأيه حالا لحال
حافتيه: أي جانبيه، والهاء في رأيه للدمستق. أي لقلب رأيه في محاربتك، إلى الانقياد لك، والفرار منك.
إن استحسنت وهو على بساطٍ ... فأحسن ما يكون على الرّجال
أراد: إن استحسنته، فحذف الهاء.
يقول: إن استحسنت هذا السلاح، وهو على بساطك، فأحسن ما يكون، إذا كان على الرجال، يوم القتال.
وإنّ بها وإنّ به لنقصاً ... وأنت لها، النّهاية في الكمال
إن الثانية زائدة أي: وإن به وبها لنقصاً، وقيل: اسم إن الأولى محذوف. أي: إن بها لنقصا، وإن به لنقصا. فاسم الثانية دل على المحذوف. وبه: أي بالسلاح وبها: أي بالرجال. وقيل: به: للبيض، وبها: للدروع.
يقول: إن جمال السلاح، وكمال الدروع والرجال بك، فما لم تكن لابسها، أو لم تكن فيها بين الرجال، لم يكن لهم غناء، فأنت غاية الكمال ونهاية الجمال.
وقال وقد عرضت على سيف الدولة سيوف، فوجد فيها سيفاً غير مذهب فأمر بإذهابه فقال ارتجالا:
أحسن ما يخضب الحديد به ... وخاضبيه النّجيع والغضب
أحسن: مبتدأ. وما بمعنى: الذي، وهو في موضع الجر بإضافة أحسن إليه. والنجيع: خبر الابتداء، والغضب: عطف عليه. وخاضبية: جر عطفاً على ما أي وأحسن خاضبيه. والهاء في به لما وفي خاضبيه للحديد.
يقول: أحسن شيء يخضب الحديد به: الدم: وأحسن خاضبيه: الغضب. وقيل: أراد به صاحب الغضب. والنجيع: الدم الطري.
وقيل: خاضبيه: جر على القسم، ومعناه: أحسن ما يخضب به الحديد، النجيع والغضب. وجعل الغضب خضابا له توسعا، إذا كان سبباً لخضابه. وروى مكان الغضب القضب وهو جمع قضيب، وهو السيف: أي أحسن الخاصبين السيوف التي تخضب الأشياء بالدم.
فلا تشيننه بالنّضار فما ... يجتمع الماء فيه والذّهب
يقول: رونق هذا الحديد وماؤه، أحسن فيه من ماء الذهب، فإذا أذهبته ذهبت بمائه ورونقه وصار ما قصدت من زينة شيناً له.
وأنفذ إلى سيف الدولة أحد أهل بغداد أبياتاً، يذكر أنه رآها في النوم، يشكو إليه الفقر فقال أبو الطيب:
قد سمعنا ما قلت في الأحلام ... وأنلناك بدرةً في المنام
البدرة: عشرة آلاف درهم. وسميت بدرة؛ لأنها تمام العدد. والبدرة أيضاً: جلد السخلة، إذا رعت وفطمت. ويجوز أن تكون البدرة من هذه؛ لأن العادة جرت أن تجعل الدراهم في جلد السخلة.
يقول: سمعنا أيها المتعرض لنائلنا، ما قلت من الشعر في الأحلام، فأعطيناك - على وجه المقابلة والمكافأة - بدرة في المنام.
وانتبهنا كما انتبهت بلا شي ... ءٍ فكان النّوال قدر الكلام
يقول: مدحتنا في النوم، فأجزناك في النوم، فكان العطاء على قدر المدح، فلما لم يكن لنوالنا حقيقة، كذلك لم يكن لمديحك إيانا.
كنت فيما كتبته نائم العي ... ن فهل كنت نائم الأقلام؟
يقول: إن كنت حين قلت هذا الشعر نائم العين، فإنك حين كتبته كنت مستيقظاً، يجب عليك حفظ الأدب والتحرز من الكلام الركيك، ويمكن أن يكون قرنت إلى الأبيات رسالة أخرى في معنى الاعتذار.
فيقول: إن كنت في الأبيات نائماً، فلم تكن في الرسالة نائماً.
أيّها المشتكي إذا رقد، الإع ... دام، لا رقدةٌ مع الإعدام