معجز احمد (صفحة 290)

يقول: وصل الرسول إليك، فأخفى عليه مكانه، بريق السيوف ولمعان الأسنة، فلم يمكنه أن يبصر موضعه.

وأقبل يمشي في البساط فما درى ... إلى البحر يمشي أم إلى البدر يرتقي؟!

يقول: لم يدر أيمشي إلى بحر أو إلى بدر، لأنك تشبه البحر في السخا، وتشبه البدر في النور والبهاء.

ولم يثنك الأعداء عن مهاجتهم ... بمثل خضوعٍ في كلامٍ منمّق

المنمق: المحسن.

يقول: لا يقدر أعداؤك أن يردوك عن مهجاتهم، أي أنفسهم، إلا بالخضوع، والتملق بالثناء والتعظيم.

وكنت إذا كاتبته قبل هذه ... كتبت إليه في قذال الدّمستق

القذال: مؤخر الرأس: والضمير في كاتبته وإليه لملك الروم.

يقول: كنت متى أردت أن تكتب إلى ملك الروم كتبت إليه في قفا الدمستق، وذلك كناية عن هزيمته، والجراحة تقوم لك مقام الكتابة.

فإن تعطه بعض الأمان فسائلٌ ... وإن تعطه حدّ الحسام فأخلق

يقول: إن أعطيته بعض المراد فأمنته، فهو سائل، ومن عادتك ألا تخيب سائلك، وإن أعطيته السيوف، فهو أجدر بذلك.

وهل ترك البيض الصّوارم منهم ... حبيساً لفادٍ، أو رقيقاً لمعتق

يقول: إن سيوفك لم تترك منهم أسيراً محبوساً من الأسرى، يفدونه بما يحمل إليك، ولا رقيقاً يسألونك أن تعتقه.

وقيل: معناه لم تترك سيوفك عبداً عندهم يعتقه معتق.

لقد وردوا ورد القطا شفراتها ... ومرّوا عليها زردقاً بعد زردق

الهاء في شفراتها للبيض الصوارم. وهي منصوبة بوردوا أي وردوا شفرات الصوارم، كما ترد القطا المناهل. والزردق فارسي معرب.

يقول: وقعوا على شفرات سيوفك كما تقع القطا على الماء، ووفدوا عليها صفا بعد صف.

يعني أنك تقتلهم فوجاً بعد فوج.

بلغت بسيف الدّولة النّور رتبةً ... أنرت بها ما بين غربٍ ومشرق

روى: اليوم بدل النور.

يقول: نلت عنده منزلة ألقت علي ضياء نوره حتى أنرت بها الدنيا. وأراد به اشتهار ذكره في العالم.

إذا شاء أن يلهو بلحية أحمقٍ ... أراه غباري، ثمّ قال له: الحق

كان سيف الدولة يغرى به الشعراء، ويبعثهم على مباراته، لأنه كان يغتاظ من عجبه بنفسه.

فيقول: إن سيف الدولة لا يخفى عليه فضلي على من حوله من الشعراء، ولكنه إذا شاء أن يتلهى بشاعر أراه من فضلي أدنى شيء، ثم قال: الحق به، وهات مثله، وإنما وصفه بالحمق، لأن من طمع في إدراك غايته، فهو عنده أحمق! فلا جرم يريد سيف الدولة أن يسخر من قلة عقله. وقوله: أراه غبارى: كناية عن اليسير من فضله.

وما كمد الحسّاد شيئاً قصدته ... ولكنّه من يزحم البحر يغرق

الكمد: الحزن.

يقول: ليس لمن يحسدني أن يلومني، لأني لم أقصد أن أغم الحساد، ولكني بحر في الفضل، فمن زاحمني من الجهال غرق في فضلي، كما أن من تعرض للبحر وطرح نفسه فيه غرق، فاللوم عليه لا على البحر.

ويمتحن النّاس الأمير برأيه ... ويغضى على علمٍ بكلّ ممخرق

الممخرق: الكذاب والمدلس وهي اللغة الجيدة، والباء فيه، متعلق بقوله: على علم.

يقول: هو يمتحن الناس، ويجرب أحوالهم، ثم يغضى ويتغافل، مع علمه بالفاضل منهم، والمدلس الممخرق، ويتجاوز عن الجهال بحلمه.

وإطراق طرف العين ليس بنافعٍ ... إذا كان طرف القلب ليس بمطرق

يقول: متى علم صاحبك بتمويهك، لم ينفعك إعراضه وإطراق طرفه. فعبر عن معرفته بترك إطراق طرف قلبه.

فيا أيّها المطلوب جاوره تمتنع ... ويا أيّها المحروم يمّمه نرزق

يقول: يا أيها الخائف، جاور سيف الدولة تمتنع على من يظلمك، ويا أيها الفقير اقصده تصل إلى الغنى.

ويا أجبن الفرسان صاحبه تجترئ ... ويا أشجع الشّجعان فارقه تفرق

يقول: يا أيها الجبان، صاحبه تصر شجاعاً، اقتداء به ويا أيها الشجاع، فارقه تصر جباناً، لأن الشجاعة به.

إذا سعت الأعداء في كيد مجده ... سعى مجده في جده سعى محنق

المحنق: المغضب. والجد: البخت والإقبال.

يقول: متى قصد أعداؤه إلى هدم مجده غضب لذلك إقباله وجده، ورد كيد العدو إليه.

وما ينصر الفضل المبين على العدا ... إذا لم يكن فضل السّعيد الموفّق

يقول: الفضل الظاهر لا ينصر صاحبه على أعدائه، حتى يوافقه على ذلك سعادة جده وتوفيق ربه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015