معجز احمد (صفحة 289)

يقول: هذه الرماح تقطع على الكماة والملوك دروعهم وجواشنهم، وتخرق إليهم الحصون والأسوار والخنادق حتى تصل إليهم، وتفتح بلادهم.

يغير بها بين اللّقان وواسطٍ ... ويركزها بين الفرات وجلّق،

اللقان: موضع ببلد الروم، وقيل: جبل. وواسط: مدينة بالعراق بناها الحجاج بن يوسف والفرات: معروف يجيء من بلاد الروم، ويمر على أطراف الشام، حتى ينتهي إلى العراق، ويلتقي مع دجلة أسفل بغداد فيصيران نهراً واحداً، ويمران على البصرة ثم إلى البحر. وجلق: موضع بدمشق.

يعني لا يزال أبداً يغير برماحه مرة في بلاد الروم، ومرة على البوادي التي في العراق، ويركزها بين الفرات وجلق، لأنها دار مملكته ومعدن ولايته.

ويرجعها حمراً كأنّ صحيحها ... يبكّي دماً من رحمة المتدقّق

المتدقق: المتكسر، يقال: اندق الرمح، إذا انكسر، ولا يستعمل الأندقاق إلا فيما كان فيه طول، مثل الرمح ونحوه، ويقال: سقط فلان فاندقت عنقه.

يقول: يرجع هو رماحه من الغارات وقد احمرت بالدم، وبعضها قد تكسر في بدن الأعداء، فكأن الصحيح منها يبكي دماً على ما تكسر منها، حزناً عليها، لأنه من جنسه، ودماً نصب على التمييز، ويجوز أن يكون مفعولاً به عن فعل مضمر، دل عليه. يبكي أي يبكي فيجري دماً.

فلا تبلغاه ما أقول فإنّه ... شجاعٌ متى يذكر له الطّعن يشتق

يقول: لا تبلغا يا صاحبي سيف الدولة ما أقول، فإنه شجاع، إذا سمع وصف الشجاعة اشتاق إليها.

وهذا بيت كثير نقله من النسيب إلى الشجاعة، وهو:

فلا تذكراه الحاجبية يشتق

وهذه السرقة قبيحة، لأنه أخذ المعنى واللفظ والوزن والقافية.

ضروبٌ بأطراف السّيوف بنانه ... لعوبٌ بأطراف الكلام المشقّق

روى بصير ولعوب والمشقق: الكلام الذي له خط في كل شق. ويقال: فلان يشقق في كلامه. إذا تصرف في معانيه. وقيل: هو المشق من المشة، أي يشق على غير الفصيح التكلم به. يصفه بالشجاعة والفصاحة.

كسائله من يسأل الغيث قطرةً ... كعاذله من قال للفلك: ارفق

يقول: هو يجود بالطبع، فمن يسأله كمن يسأل الغيث قطرة.

وقيل: معناه كما أن القطرة لا تؤثر في الغيث، كذلك سائله لا يؤثر في جوده وماله، وكذلك من يعذله على كرمه، لكونه مطبوعاً عليه، كمن يعذل الفلك على دوره. وقال له: ارفق في الحركة.

وقيل: إن من يسأل الغيث قطرة، فقد تكلف ما قد استغنى عنه، وأتى غيثاً، إذ قطراته مبذولة، فكذلك سائل سيف الدولة يتكلف ما لا يحتاج إليه، لأنه يعطى قبل السؤال، فنائله مبذول كقطر الغيث.

لقد جدت حتّى جدت في كلّ ملّةٍ ... وحتى أتاك الحمد من كلّ منطق

أي: من كل ذي منطق.

يقول: عممت بجودك أهل الإسلام، وأهل الشرك، فحصل لك الشكر من كل ذي منطق.

جعل إجابته إلى الصلح، فضلاً منه على الروم.

رأى ملك الرّوم ارتياحك للنّدى ... فقام مقام المجتدي المتملّق

الارتياح: الاهتزاز للعطية، والمجتدي: طالب المعروف. والمتملق: المتلطف في الكلام.

يقول: علم ملك الروم جودك، فبعث إليك رسوله، واستوهب منك أسراء الروم، فقام لك مقام السائل المتلطف في سؤاله، لعلمه أنك لا تخيب سائلك.

وخلّى الرّماح السّمهريّة صاغراً ... لأدرب منه بالطّعان وأحذق

صاغراً نصب على الحال. والدربة في معنى العادة والتجربة. والحذق: إحكام الصنعة.

يقول: إن ملك الروم ترك الرماح على رغم منه، وذل لمن هو أعود للطعان وأحذق به. وأراد به سيف الدولة، يعني أنه ترك قتالك وعدل إلى استعطافك.

وكاتب من أرضٍ بعيدٍ مرامها ... قريبٍ على خيلٍ حواليك سبّق

يقول: كاتبك في الصلح من أرض بعيدة المرام، ولكنها مع بعدها قريبة عليك، وعلى خيلك السوابق التي هي حواليك.

وقد سار في مسراك منها رسوله ... فما سار إلاّ فوق هامٍ مفلّق

المسرى: اسم المكان السري، والهاء في منها للأرض.

يعني: أن رسول ملك الروم سار في الطريق التي سرت فيها إلى بلاد الروم، فلم يسر إلا فوق هام مشققة بسيوفك.

فلمّا دنى أخفى عيه مكانه ... شعاع الحديد البارق المتألّق

البارق المتألق: هو اللامع، وإنما أتبع أحدهما الآخر، لاختلاف اللفظين. والهاء في مكانه للرسول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015