فإن قلت: هل الأمة يشهدون كلهم، برّهم وفاجرهم، أوْ لاَ يشهد إلا لمن

هو أَهلٌ لذلك؟

والجواب أن لفظ الآية عام، لكن الذي يظهر من لفظ الآية أنه لا يشهد إلا

العدول، فلا يشهد منها إلا خيارها، والحكم هناك كالحكل هنا، وقد قال:

(ممَّنْ تَرْضَوْن من الشهداء) .

وأيضاً قد ذكر في حديث قوم نوح أنهم يقولون: كيف يَشهد علينا من لم يحضرنا، فيقولون: يا ربنا، أنزلْتَ علينا كتاباً فوجدنا فيه قصَّتَهم، ثم يقرأون سورةَ نوح، فهذا لا يكون جواباً إلا ممن له علم بالكتب، وكثير من هذه الأمة لا يعلمون من الكتاب شيئاً، ومن طريق النظر من هذه الأمة إذ ذاك في نوع من أنواع العذاب كيف يستشهدون، وكيف تقبل لهم شهادة، فإذا كان العالِم الذي لا يَخفى عليه شيء لا يَحكُم بعلمه فيما بيننا في ذلكَ اليوم، فكيف بالغير، فيا أخا البطالة والتلويث لنفسك، انتبه، الحاكم قد زَكاك وأنْتَ بما ارتكبت من قبيح الأوصاف تجرح نفسك، وبذلك تفرح، فقد خضْتَ بحارَ المهالك، وعلى عَقِبك من الخير نكصت.

أعلمك بهذه الرتبة الرفيعة لعلك تحافظ عليها فتكون ممن يشهد إذ ذاك.

فأعرضتَ عن الشهادة على غيرك، وتعرضتَ لشهادة جوارِحك عليك! بئس ما استبدلت!

وقد جاء أنَّ أول من يُساقُ للحساب الذي العَرْش على كاهله والعرق يتَحدر

على جَبينه، فيقول الله له: ما صنعت بعهدي، فيقول: يا رب، بلَّغْته جبريل، فيؤتى جبريل، فيقول له الحق جل جلاله: هل بلغكَ إسرافيل عهدي، فيقول: نعم، فيخلّي حينئذ عن إسرافيل، ويسأل جبريل فيقول عز وجل له: ما صنعْتَ في عهدي، فيقول: يا رب، بلغْته الرسل، فيؤتى بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فيقول لهم: هل بلّغَكم جبريل عَهْدي، فيقولون: نعم، فحينئذ يخلي عن جبريل، فأول مَنْ يسأل مِن الرسل نوح عليه السلام، فيكون من قصته ما ورد في الحديث - أنه يُجَاء بنوح عليه السلام، فيقال له: هل بلّغْتَ، فيقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015