نعم يا رب، فتسأل أمّته: هل بلغكم، فيقولون: ما جاءنا من نذير.
فيقال: مَنْ شهودك، فيقول: محمد وأمته.
قال - صلى الله عليه وسلم -: فيُجَاء بكم فتشهدون، ثم قرأ - صلى الله عليه وسلم -: (وكذلك جعلناكم أمَّةً وَسطا) .
فإن قلت: يعارضنا هنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: أوَّل مَنْ يحاسَبُ من يجوز على الصراط؟
والجواب: أنه ليس بينهما تعارض، لأن حساب الأمم على نوعين، وبذلك
يجمع الحديثان، ولا يبقى بينهما تعارض، وهو أن النوع الأول أنْ تسأل الأمم: بلّغهم الرسل أم لا، فهذا الذي يتقدم جميعَ الأمم على هذه الأمة، لأنهم هم الشهود عليهم، فلا بد من حضورهم إلى آخر الأمم.
والنوع الآخر هو سؤال الأمم كلّ شخص منهم منفرداً عن عمله بمقتضى
شريعته، فهذا الذي تكون هذه الأمة أوَّل مَنْ يُحاسب.
وسيِّدنا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - شاهد، كما قال تعالى: (وجئنا بكَ على هؤلاء شَهيداً) .
تقديره: كيف يكون الحال إذا جئنا بنبيٍّ يشهد على أمته بأعمالهم.
ولما قرأها ابن مسعود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذَرفت عيناه بالدموع، وقال: حَسْبُكَ يا ابن مسعود.
(ولا يَأبَ الشهداء إذا ما دعُوا) ، أي لا يمتنعوا إذا دعُوا إلى أداء الشهادة.
وقد ورد تفسيره بذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
واتفق العلماء على أنَّ أداءَ الشهادة واجبٌ إذا دُعي إليها.
وقيل: إذا دعوا إلى تحصيل الشهادةِ وكَتْبها.
وقيل إلى الأمرين.
(ولا تسأموا) ، أي لا تملّوا من الكتابة إذا ترددت وكثرت، سواء كان الحق صغيراً أو كبيراً، ونصب صغيراً على الحال.
(وأشْهدوا إذا تبايعْتُم) :
هذا أمر يُفهم منه الإشهاد، وأَهل الظاهر أوجبوه خلافًا للجمهور.
وذهب قوم إلى أنه منسوخ بقوله: (فإن أَمِنَ بعضُكم بعْضاً) ، وذهب قوم إلى أنه على الندب.
(ولا يُضَار كاتبٌ ولا شَهيد) :
يحتمل أن يكون كاتب