أستعمل إلا مجتمعاً، محتلماً، مرضياً، وهؤلاء أهل عملهم، فسلوهم عنهم، وهؤلاء أهل بلدهم وقد ولىَّ من قبلي أحدث منهم، وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ممَّا قيل لي في استعماله لأسامة، أكذلك؟ قالوا: نعم يعيبون للنَّاس مالا يفسرون (?). ويقول عليّ رضي الله عنه: ولا يولِّ أي: عثمان ـ إلا رجلاً سويا، عدلا، وقد ولىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد على مكّة وهو ابن عشرين سنة (?)
ولم يكن ولاة الأمصار في عهد عثمان رضي الله عنه جاهلين بأمور الشَّرع، ولم يكونوا من المفرِّطين في الدِّين، وإذا كانت لهم ذنوب، فلهم حسنات كثيرة، ومع ذلك فإن سيئات وذنوب هؤلاء تعود عليهم ولم يكن لها تأثير في المجتمع المسلم، وقد تتبعنا آثار هؤلاء الولاة أيَّام ولايتهم، ووجدناها عظيمة الفائدة للإسلام والمسلمين، وقد اهتدى على يدي ولاة عثمان مئات الألوف إلى الإسلام، وبسبب فتوحاتهم انضمّ إلى ديار الإسلام أقاليم واسعة، ولو لم يكن عند هؤلاء من الشجاعة، والدّين ما يحثهم على الجهاد، ما قادوا الجيوش إلى الجهاد، وفيه مظنة الهلاك، وفيه ترك الراحة، ومتاع الدنيا وقد تتبعت سيرة هؤلاء الولاة، فوجدت لكل واحد منهم فتحاً، أو فتوحاً في الجهات التي تجاور ولايته، مع مناقب وصفات حسنة تؤهله للقيادة وقد فصلت في كتابي عن عثمان رضي الله عنه في مبحث مستقل حقيقة ولاة عثمان (?) رضي الله عنه.
إن الذي يرجع إلى الصحيح الممحّص من وقائع التاريخ، ويتتبع سيرة الرجال الذين استعان بهم أمير المؤمنين ذو النورين ـ رضوان الله عليهم ـ وما كان لجهادهم من جميل الأثر في تاريخ الدعوة الإسلامية، بل ما كان لحسن إدارتهم من عظيم النتائج في هناء الأمّة، وسعادتها، فإنه لا يستطيع أن يمنع نفسه عن الجهر بالإعجاب، والفخر كلمّا أمعن في دراسة ذلك من أدوار التاريخ الإسلامي (?).