اجتمع البقاء على الضلال، والمآل السيء بزوال الملك، والوقوع في الذل والهوان، وإنّه بقدر ما يفرح المسلم بدخول الناس في الإسلام، فإنه يحزن من رؤية الكافرين وهم يعيشون في ضلال مع إدراكه ما ينتظرهم من العذاب الأليم المؤبد في الآخرة، فكيف إذا أضيف إلى ذلك وقوعهم في الأسر، والتشرّد، وتعرضهم للقتل في الحياة الدنيا (?)؟
قال عبادة بن الصامت لمعاوية رضي الله عنهما: شهدت رسول الله عليه وسلم في غزوة حنين الناس يكلمونه في الغنائم، فأخذ وبرة من بعير، وقال: مالي مما أفاء الله عليكم من هذه الغنائم إلا
الخمس، والخمس مردود فيكم (?). فأتق الله يا معاوية! واقسم الغنائم على وجهها، ولا تعطي منها أحداً أكثر من حقه! فقال له معاوية: قد وليتك قسمة الغنائم، ليس أحد بالشّام أفضل منك، ولا أعلم، فاقسمها بين أهلها، واتق الله فيها، فقسمها عبادة بين أهلها، وأعانه أبو الدرداء، وأبو أمامة (?).
وعبادة بن الصامت رضي الله عنه من مؤسسي المدرسة الشامية فقد وجهه عمر إلى الشام قاضياً ومعلماً، فأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين فولي قضاءها، واستقر به المقام فيها، فكان أول من تولى قضاء فلسطين، وكان أيضا يعلم أهلها القرآن وظل على هذا النحو إلى أن مات بها (?)، وقد أسهم عبادة رضي الله بنصيب كبير في تنفيذ سياسة الخلافة الراشدة العلمية والتربوية والجهادية، وكان رضي الله عنه من أهل الزهد والخشونة، فعندما وصل إلى حمص قال لأهلها: ألا أن الدنيا عرض حاضر، وإن الآخرة وعد صادق، ألا أن للدنيا بنين وإن للآخرة بنين، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن كل أم يتبعها بنوها (?).
إن مبغضي عثمان بن عفان رضي الله عنه كانوا يشنّعون عليه أنه نفى أبا ذر رضي الله عنه إلى الربذة وزعم بعض المؤرخين: أن ابن السوداء عبد الله بن سبأ