ذلك، الجزيرة هادئة والمسلمون آمنون من

هجمات الروم المفاجئة، ولاحظ المسلمون: أنّ أهل قبرص ليس فيهم قدرات عسكرية، وهم مستضعفون أمام من يغزوهم، وأحس المسلمون: أن الروم يغلبونهم على أمرهم، ويسخّرونهم لمصالحهم فرأوا أن من حقهم عليهم أن يحموهم من ظلم الروم، وأن يمنعوهم من تسلطّ البيزنطيين وقال: إسماعيل بن عيّاش: أهل قبرص أذلاء مقهورون ويغلبهم الروم على أنفسهم، ونسائهم، فقد يحق علينا أن نمنعهم، ونحميهم (?).

8 ـ ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه:

وقد جاء في سياق هذه الغزوة المذكورة خبر أبي الدرداء رضي الله عنه حينما نظر إلى سبي الأعداء فبكى، ثمّ قال: ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه، فانظر إلى هؤلاء القوم بينما هم ظاهرون قاهرون لمن ناوأهم، فلما تركوا أمر الله ـ عز وجلّ ـ وعصوه، صاروا إلى ما ترى (?).

وجاء في روايةٍ: فقال له جبير بن نفير أتبكي وهذا يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله، فقال: ويحك: إن هذه كانت أمّة قاهرة لهم ملك، فلما ضيّعوا أمر الله، صيرّهم إلى ما ترى، سلط الله عليهم السبي، وإذا سلط على قوم السّبي، فليس لله فيهم حاجة، وقال: ما أهون العباد على الله تعالى، إذا تركوا أمره (?). إن ما تفوّه به أبو الدرداء، يعتبر مثلاً للبصيرة النافذة، والفقه في أمر الله تعالى، فهذا الصحابي الجليل يبكي حسرة على هؤلاء الذين أعمى الله بصائرهم، فلم ينقادوا لدعوة الحق، فباؤوا بهذا المصير المؤلم، حيث تحولوا من الملك، والعزة إلى الاستسلام والذّلة، لإصرارهم على لزوم الباطل، والتكبر على الخضوع لدعوة الحق، ولو أنهم عقلوا، وتدبّروا لكان في دخولهم في الإسلام بقاء ملكهم، وعمران ديارهم، والظفر بحماية دولة الإسلام، وإن هذا التفكير العميق من أبي الدرداء مظهرٌ من مظاهر الرّحمة، والعطف، تفتحت عنه نفسه الزكية، فتشكل ذلك في الظاهر على هيئة دموع تتحدّر من عيني هذا الرجل العظيم، ليعبّر عمّا يجول في نفسه من نظرات الحنان، والرّحمة، والأسى على مصير تلك الأمة التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015