كانت آخر خطبة خطبها معاوية رضي الله عنه قوله: أيُّها الناس إني من زرع قد استحصد، وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدي إلا من هو شر مني، كما كان من وليكم قبلي خيراً مني، ويا يزيد إذا وفى أجلي فوَلِّ غسلي رجلاً لبيباً، فإن اللبيب من الله بمكان فليُنعم الغسل وليجهر بالتكبير، ثم أعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقُراضة من شعره وأظفاره فاستودع القراضة أنفي وفمي وأُذُنيَّ وعيْنيَّ، واجعل الثوب يلي جلدي دون أكفاني، ويا يزيد احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا أدرجتموني في جريدتي، ووضعتموني في حفرتي فخلوا معاوية وأرحم الراحمين (?).
ولما احتضر معاوية جعل يقول:
لعمري لقد عُمِّرتُ في الدهر بُرهة
ودانت لي الدنيا بوقع البواتر
وأعطيت حُمْرَ المال والحكم والنّهى
وسِلْمَ قماقيم (?) الملوك الجبابر
فأضحى الذي قد كان مما يَسُرُّني
كحلم مضى في المزمنات الغوابر
فيا ليتني لم أُعن في الملك ساعة
ولم أُعْنَ في لذات عيشٍ نواضر
وكنت كذي طمرين عاش ببُلْغةٍ
من العيش حتى زار ضيق المقابر (?)
وقد أوصى معاوية بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال كأنه أراد أن يُطيَّب له، لأن عمر بن الخطاب قاسم عمّاله (?). وذكروا أنه في آخر عمره اشتد به البَرْدُ فكان إذا لبس أو تغطَّى بشيء ثقيل يَغُمُّه، فاتُّخذ له ثوب من حواصل الطير (?)، ثم ثقل عليه بعد ذلك، فقال: تبَّاً لك من دار ملكتك أربعين سنة، عشرين أميراً، وعشرين خليفة، ثم هذا حالي فيك، ومصيري منك، تباً للدنيا ومُحبِّيها (?)، ولما اشتد المرض وتحدث الناس أنه الموت قال لأهله، أحشوا عيْنيّ إثمداً، وأوسعوا