هذه الجهود لم تثمر في تذليل المصاعب قب ظهورها (?)،
والوصية تظهر أن الحجاز، وتحديداً المدينة، هي أكثر البلدان معارضة لحكم بني أمية ولهذا يوصي معاوية إبنه أن يكون حذراً ودقيقاً في تعامله معها، وأن يكون حازماً شديدا حين يتطلب الأمر ذلك، ومرناً ليناً مع من لا يشكلون خطراً حقيقاً عليه، لما للحجاز من أهمية بالغة في تقرير وتثبيت الحكم (?).
وكان معاوية رضي الله عنه مصيباً في رأيه بعبد الله بن عمر من أنه رجل قد وقذه الدين، ولا خطر على يزيد منه، وذلك أن الوليد بن عتبة حين طلبه للبيعة قال: إذا بايعت الناس بايعت فتركوه لثقتهم بزهادته في الأمر وشغله بالعبادة (?)، وكان مصيباً في حدسه من أهل العراق لن يتركوا الحسين بن علي رضي الله عنه حتى يخرجوه، ويبدو أنه كان متأكداً من وقوع الاصطدام بينهما، لذلك طلب من يزيد أن يعفوا عنه إذا تمكن منه، أما الخطر الحقيقي والذي يتطلب الحزم
والشدة فإنه يأتي من عبد الله بن الزبير الذي كان يتمتع على ما يبدو من تأييد واسع النطاق بين معظم المعارضين للحكم الأموي، ولأنه كان رجل سياسة وحرب من الطراز الأول، وعلى الجملة فإن وصية معاوية تعكس سياسته ودهاءه في تصريف الأمور، فنراه من خلال الوصية يتعامل مع الأحداث التي تتطلب الشدة حزماً، وفيما عدا ذلك فهو يستخدم خبرته وتجربته السياسية الطويلة في مواجهة الأحداث، وقد وصف معاوية نفسه مشيراً إلى هذه السياسة بقوله: إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت أبداً. فقيل له وكيف ذلك؟ قال: كنت إذا مدوها أرخيتها وإذا أرخوها مددتها (?)، وكان على الدوام يوصي يزيد بهذه السياسة فيقول له: عليك بالحلم، والاحتمال حتى تمكنك الفرصة فإذا أمكنك فعليك بالصفح فإنه يدفع عنك معضلات الأمور، ويقيك مصارع المحذور (?). وفي هذه الوصية يلخص معاوية رضي الله عنه منهجه وخبرته في السياسة والإدارة لابنه يزيد في كلمات قليلة جامعة تنم عما يتمتع به هذا الصحابي الكريم من حنكة سياسية وبراعة إدارية (?).