عمر منها ريحاً كأنه ريح طيب، فقال: يعمد أحدكم فيخرج حاجّاً تَفِلاً، حتى إذا جاء أعظم بُلدان الله حرمة أخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فلبسهما، فقال معاوية: إنما لبستهما لأدْخل فيهما على عشيرتي أو قومي، والله لقد بلغني أذاك ههنا وبالشام، والله يعلم إني لقد عرفتُ الحياء فيه ثم نزع معاوية ثوبيه، ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما (?)، وقال عمرو بن يحي بن سعيد الأموي، عن جَدِّه قال: دخل معاوية على عمر وعليه حُلَّةٌ خضراء فنظر إليها الصّحابة، فلما رأى ذلك عمر وثب إليه بالدِّرَّة، فجعل يضربه بها، وجعل معاوية يقول: يا أمير المؤمنين، الله الله فيَّ فرجع عمر إلى مجلسه، فقال له القوم: لم ضربته يا أمير المؤمنين وما في قومِك مثله؟، فقال: والله ما رأيت إلا خيراً وما بلغني إلا خير، ولكنِّي رأيته وأشار بيده (?) ـ فأحببت أن أضع منه (?)، وكان عمر بن الخطاب إذا رأى معاوية قال: هذا كسرى العرب (?).

وكان معاوية رضي الله عنه في إمارته بالشام في أبهة الملك وزيه من العديد والعدة وكان يرى أنه في ثغر تجاه العدو ويحتاج إلى مباهاتهم بزينة الحرب والجهاد (?) وإظهار الملك والسلطان، وكان يرى أن الملك لما ذمه الشارع لم يذم منه الغلب بالحق وقهر الكافة على الدين، ومراعاة المصالح وإنما ذمه لما فيه التغلب بالباطل وتصريف الآدميين طوع الأغراض والشهوات، فلو كان الملك مخلصاً في غلبه للناس أنه لله ولحمله على عبادة الله وجهاد عدوه لم يكن ذلك مذموماً (?)، وقد قال الله تعالى: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)) (ص، آية: 33) لما علم من نفسه أنه بمعزل عن الباطل في النبوة والملك وكانت أبهة معاوية في الملك لها أغراض ومقاصد شرعية ولذلك سكت عمر رضي الله عنه، وذات يوم ذكر معاوية عند عمر فقال: دعوا فتى قريش وابن سيدها إنه لمن يضحك في الغضب

ولا يُنال منه إلا على الرِّضا، ومن لا يأخذ من فوق رأسه إلا من تحت قدميه (?)، ومهما يكن في هذه الرواية وغيرها من مبالغة، فإن ثقة عمر في معاوية تظل فوق مستوى الشبهة والشك (?)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015