من ذلك. قال: ولم تفعل هذا؟ لقد هممت أن آمرك بالمشي حافياً إلى بلاد الحجاز. قال: يا أمير المؤمنين إنا بأرض جواسيس العدو فيها كثيرة، فيجب أن تظهر من عز السلطان ما يكون فيه عز للإسلام وأهله ويرهبهم فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت، فقال له عمر: ما سألتك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب (?) الضرس، لئن كان ما قلت حقاً، إنه لرأي أريب (?)، ولئن كان باطلاً إنه لخديعة أديب (?). قال: فمرني يا أمير المؤمنين قال: لا آمرك ولا أنهاك. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه، فقال عمر: لحسن مصادره وموارده جَشَّمناه ما جَشَّمناه (?)، وفي رواية أن الرجل الذي قال لعمر ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه هو عبد الرحمن بن عوف، وكان مع عمر حين استقبلهما معاوية بهذا الموكب العظيم (?). وهذا الجواب من معاوية ـ رضي الله عنه ـ يدل على خبرة سياسية عالية، ومعرفة واعية بأحوال الأمم، ودراية كاملة بسياسة الرعية والمحافظة على الوضع الأمني للدولة التي يحكمها، ومن أجل هذا رضي عمر سياسته على الرغم من أنها تخالف سياسة عمر في اهتمامه بأحوال رعيته وبحث شكاواهم،
ولعل كلمة عمر ـ رضي الله عنه ـ من أجل ذلك جشمناه ما جشمناه تدل على رضاه عن سياسة معاوية (?).
وكان عمر رضي الله عنه يتعهد معاوية بالتربية والوعظ والنصح، وأحياناً يشتد ويغلظ عليه، فعن أسلم مولى عمر رضي الله عنه قال: قدم علينا معاوية وهو أبيض أو أبضُّ الناس وأجملهم، فخرج إلى الحج مع عمر، فكان عمر ينظر إليه، فيعجب له، ثم يضع أُصبُعَه على متنه ثم يرفعها عن مثل الشِّراك، فيقول: بخ بخ، نحن إذا خير الناس، أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة، فقال معاوية: يا أمير المؤمنين، سأحدثك، إنّا بأرض الحمّامات والريف فقال عمر: سأحدثك ما بك إلطافك نفسك بأطيب الطعام وتصبحك حتى تضرب الشمس متنيك وذوو الحاجات وراء الباب. قال فلما جئنا ذا طوى أخرج معاوية حُلة فلبسها، فوجد