بصلابتها، فتصبح هشة سهلة القصف، أو تصبح لينة لا قوام لها في الصدام، وقد كانت وفرة المال في أيدي الناس هي الباب المؤدي إلى الترف بطبيعة الحال ـ ولكن هذا ـ يفسر ولا يبرر، فإنه لا يوجد تبرير لمعصية الله، وقد جاء المال بوفرة نسبية على أيام عمر رضي الله عنه ولكنه تصرف بشأنه بمنع الفساد، فمنع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ من الخروج من المدينة ـ للضياع والتجارة ـ حتى لا تتكون منهم طبقة تملك المال في أيديها وتملك السلطان ((الأدبي)) على الناس، فيحدث التميز وتفسد الأحوال، فضلاً عن احتمال إصابتهم

هم أنفسهم بالترف وهم هيئة المشورة إلى جانب الخليفة، فتفسد مشورتهم حين تترهل نفوسهم ـ وإلى جانب ذلك ـ وقبل ذلك، أخذ عمر رضي الله عنه نفسه وأهل بيته بالشدة الحازمة، حتى لا يكونوا قدوة سيئة أمام الناس، فيفسد الناس، أما حين يترك المال بدون تصرف معين من ولي الأمر، يسمح بالنفع ويمنع الضرر، فإنه لا بد أن يؤدي إلى نتائجه المحتومة حسب السنة الإلهية، لا لأن المال في ذاته هكذا يضع، ولكن لأن الجهد البشري المطلوب لإصلاح الآفة لم يبذل فتنفرد الآفة وحدها بالسلطان، وآفة المال الترف، وعلاجها في يد ولي الأمر ... بنشر روح الجد في المجتمع وبإعطاء القدوة من نفسه لبقية الناس.

أما حين يترك في أيدي الناس بلا ضابط ـ مع وجود فئة تعمل جاهدة في إفساد أخلاق المجتمع وروحه كما فعل الفرس، فالنتيجة هي ما قررته السنة الربانية التي جاء بيانها في كتاب الله: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) (الروم، الآية: 41). والترف مُعْد ككل آفة .. فحين لا يعالج، ولا يوقف فإنه ينتشر ولا بد .. وحين يكون مبتدؤه في قصور الخلافة فأمهر أسوأ، لأن الحكام دائماً قدوة، وقد كان الأمويون ـ برغم وجود الترف بينهم ـ أقل فساداً بالمال من العباسيين، لأنهم كانوا أكثر انشغالاً بتثبيت دولتهم من ناحية، وبالجهاد في سبيل الله من ناحية أخرى، فأما العباسيون فبعد أن استتب لهم الملك أخذ الترف يسري بينهم سريعاً، خاصة بفعل الحاشية الفارسية المفسدة المتعمدة للفساد ومن قصور الخلافة انتقل الترف بالعدوى إلى قصور الأمراء والوزراء، ثم قصور التجار الذين وصل دخلهم في التجارة العالمية إلى ملايين الدنانير، وشيئاً فشيئاً غلب الفساد على عاصمة الخلافة بغداد ثم العواصم الإسلامية الأخرى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015