نجاحه في تثبيت أركان دولته, وذلك بمقدرته الفائقة على امتصاص غضب المخالفين, وتحويلهم إلى الرضى والقناعة بسياسته, وهكذا تأتي مكارم الأخلاق التي من أهمها الحلم والعفو والصبر والكرم لتكون من أهم عناصر السيادة, وقد أبان في هذه الأقوال بأن الحلم يخالطه شيء من الذل كما أن النصر يخالطه شيء
من العز, ولكن أبدى سروره بذلك الذل لما يترتب عليه من النتائج الحميدة التي منها اكتساب الأصدقاء والأنصار (?) وفي كتابه إلى زياد أمير العراق بيان لسياسته الجيدة التي تخيف المتهورين الميالين إلى إحداث الفوضى والإخلال بالأمن, ولكنها في الوقت نفسه تبعث الأمل لدى من يراجعون أنفسهم ويريدون سلوك طريق الاستقامة والسلامة (?) , ولقد أثنى على أمير المؤمنين معاوية حكماء عصره وذكروا اتصافه بمكارم الأخلاق وخاصة الحلم, وفي ذلك يقول الحافظ بن كثير: وقال عبد الملك بن مروان - يوما وذكر معاوية فقال -: ما رأيت مثله في حلمه واحتماله وكرمه (?) , وقال قبيصة بن جابر: مارأيت أحداً أعظم حلماً, ولا أكثر سؤدداً, ولا أبعد أناة, ولا ألين مخرجاً, ولا أرحب بالمعروف من معاوية (?). وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: لله در ابن هند, إن كنا لنُفرْقه (?)
, وما الليث على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا, وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلةٍ من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا, والله لوددت أنا مُتِّعنا به مادام في هذا الجبل حجر- وأشار إلى أبي قبيس (?). وفي قول ابن الزبير هذا وصف دقيق لمعاملة معاوية لقادة المسلمين وسادتهم, فهو جريء شجاع ولكن يظهر عمدا ليصل من ذلك إلى عدم إثارة المخالفين, لأن إظهار الشجاعة يثير عنصر التحدي لديهم, وهو أدهى أهل الأرض في زمانه, ولكنه يظهر الانخداع أمام محدثيه ليصل إلى تجفيف منابع نقمتهم عليه, وهو في ذلك كله يخدم هدفاً سامياً وهو تحقيق حياة الرخاء والأمن للأمة الإسلامية, ولقد تمنى ابن الزبير أن يطول عمر معاوية لأنه يخشى من تغير الأحوال من بعده (?) , ويصف حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما سياسة معاوية