وتتميز البيئة المصرية بأن الظاهرة الغالبه فيها تتمثل فى خطوط متوازية أو متعامدة فالوادى شريط ضيق يحيط بالنهر من الجانبين تبعد عنه قليلا الصحراوين الشرقية والغربية وهذه وتلك تخف بها سلاسل قليلة الارتفاع تظهر كأنها خطوط عمودية على طبقات الوادى التى تسير فى خطوط مستقيمة وكان لهذا أثره فى التفكير المصرى فقد رأى المصرى أن تلك الوديان والصحارى تمتد إلى مسافات شاسعة دون عائق وتمثل فضاء لا نهائيا كما أنه رأى بعض مظاهر الطبيعة فى إستمرار دائم فالشمس تشرق كل يوم فى المشرق وتغرب فى المغرب فاعتقد بأن هناك حياة خالدة يعيش فيها المرء حياة أبدية وأن الحياة الدنيا فترة اتنقال إلى عالم الخلود -وقد أثرت هذه البيئة كذلك فى نشاطه الفنى إذ خضع الفن إلى قواعد لا تحيد كثيرا عما تمثله المرء فى بيئته، فرسومه ونقوشه بل وتماثيله أيضا تخضع لقانون الاتجاهات المستقيمة حتى ليمكننا القول باننا إذا ما أخذنا صورة إنسان أو تمثالا من تلك التى قام بعملها المصري القديم وقطعنا الرأس والأطراف لوجدنا صعوبة فى تفسير الجزء الباقى كذلك إذا ما تأملنا هذه الصورة أو ذلك التمثال لوجدنا أن الراس يتعامد على الكتفين وأن هذين يمثلان خطا مستقينا يوازى الخطوط الأفقية الأخرى فى الجسم كذلك يتوازى الذراعان والساقان والخطوط الرأسية الأخرى ولذا قال أحد فلاسفة اليونان عن التماثيل المصرية بأنها كلها جميلة ولكن ينقصها المدرب الرياضى وذلك لأن الحركة فيها غير واضحة.
وإذا ما خرجنا عن دائرة الأفكار الفلسفية والدينية والفن إلى الحياة العملية المصرية لوجدنا أن الجماعات التى عاشت فى مصر فى أجزائها المختلفة كان يسهل عليها الاتصال فيما بينها وأهم ظاهرة قامت بتسيير هذا الاتصال هى نهر النيل