جغرافية مصر فى معناها الضيق لوجدنا أن نهر النيل يمتد فيها من صخور الشلال الأول إلى البحر المتوسط وهو يتفرع فى الدلتا إلى أن يصب فى البحر؛ وعلى ذلك شملت مصر قسمين مختلفين: الأول يمتد فيه وادى طويل ضيق مساحته المنزرعة ضئيلة للغاية وتحف به الصحارى من الجانبين ويمكن لأى إنسان إذا ما وصل إلى حافة الوادى أن يقف باحدى قدميه على الأرض المنزرعة ويرتكز بقدمه الأخرى على الصحراء، أى أن الانتقال من الأرض المنزرعة إلى الصحراء انتقال فجائى، وتلى الصحراء شرقا وغربا سلاسل من التلال القليلة الارتفاع تمتد بطول الوادى تقريبا أما فى الدلتا فالوادى متسع والأراضى الزراعية شاسعة فهى فى معظم العصور أغنى وأكثر إزدحاما من الوجة القبلى وما زالت كذلك حتى الآن ولكنها فى أقدم العصور التاريخية كانت أقل سكانا لكثرة مستنقعاتها.
ولما كان الانسان القديم فى مصر يخشى خطر الفيضان ويتجنبه فإنه كان يسكن على جانبى الوادى على الهضاب المرتفعة وكان النهر فى بداية الأمر قليل العمق متسع المجرى، وكلما عمق مجراه كلما انحسرت المياة من الجانبين وتبعه السكان هابطين من الهضاب إلى حافة الوادى وعلى هذه نجد أقدم البقايا الأثرية من عصور ما قبل الأسرات موغلة فى الصحراء بعيدة عن الوادى وأكثر ارتفاعا من تلك التى تليها فى الزمن فتكونت بذ المدرجات النهرية المعروفة التى تعد شاذة فى تتابعها الزمنى لأن المعتاد فى الطيقات الأثرية أن تكون أقدامها هى السفلى وأحداثها هى العليا أما فى المدرجاتالنهرية فإن العكس هو الذى حدث.