الرقي في كل نواحيه المختلفة من عمارة ونقش ونحت وأدب وموسيقى، وقد بنيت هذه على أصول مستقلة فاقت في معظمها كل فنون الشعوب الأخرى ومما يميز الحضارة المصرية في هذا السبيل أننا نجد آثارها ممثلة في عصورها المختلفة، أي أن مظاهر تلك الحضارة ممثلة بصورة مستمرة من عصور ما قبل التاريخ في سلسلة متتابعة لا نكاد نجد فيها فجوة، فهي تمتاز عن سائر الأقطار الأخرى في هذه الناحية، وقد مكنتنا دراسة آثارها من التعرف على المصري في آلاف السنين ومنها يتضح أن اللغة المصرية لم تتغير إلا مرة واحدة وتغيرت الديانة مرتين كما تغيرت الطبقة الحاكمة عدة مرات، أما المصري نفسه فقد ظل دون تغيير يذكر؛ لأن ظروف الحياة الطبيعية ظلت كما هي ثابتة لا تتغير ولم يحدث مثل ذلك للشعوب الأخرى؛ ولهذا الأمر أهميته البالغة؛ لأنه يرينا كيف تطورت الآراء والأفكار خلال الخمسين قرنًا التي مضت وكيف تطورت العادات وإلى أي مدى أثرت الحضارة المصرية وتأثرت بالحضارات الأخرى وليس من المبالغة في شيء أن نذكر بأن الحضارة المصرية كان لها أثر كبير في الحضارتين اليونانية والرمانية اللتين نقل عنهما العرب. وهؤلاء بدورهم كان لهم أثرهم في الحضارات الأوروبية المعاصرة بل ويمكن أن نتبع أصل بعض الألفاظ في اللغة الإنجليزية وفي اللغات الأوروبية الأخرى ونرجعها إلى أصول مصرية قديمة.
وما دامت الحضارة تنتج عن النشاط الإنساني وأن هذا النشاط يتأثر بالبيئة أي أنها تفاعل بين الإنسان وبيئته فمن الممكن القول: بأن البيئة المصرية بمميزاتها المختلفة هي التي حددت نوع تلك الحضارة وأثرت في تفكير المصري وإنتاجه، وإذا ما تأملنا هذه البيئة محاولين أن ندرس بصفة عامة