المَعْلَمَ السادس: التأني في فهم السؤال وتصوره

فلا يجوز للإنسان أن يفتي في مسألة لم يتصورها بعد، أو يتصورها على كلام إنسان لا يحسن فهمها، ومن هنا أنبّه على ما يقع فيه كثير من طلاب العلم من الاستعجال في الفتوى قبل معرفة حقائق أمورها وملابسات مشاكلها ومعضلاتها، ولذلك تجد العلماء يكثرون المراجعة للسائل والاستفهام من السائل، والاستيضاح منه، حتى يكون حكمهم للنازلة عن تصور كامل، فإذا سئلتَ عن مسألة، واحتمَلَتْ أوجهاً، أو احتملت احتمالات متعددة، فلا تتعجل حتى تسأل السائل هل مراده كذا؟. أم مراده كذا؟. وقد يقع اللبس في كلام السائل، فيعطيك ألفاظاً محتملة، وقد يأتيك السائل وهو يرغب في التحريم أو يرغب في التحليل، فيعطيك ألفاظاً تعينك على التحليل أو تعينك على التحريم، فالعواطف والمؤثرات الخارجية لصيغة السؤال ضعها جانباً، ولْينصبّ تصورك للسؤال بعينه، وأحسن فهم النازلة بذاتها، ثم بيّن حكم الله تعالى فيها، فحُسن التصور مهمّ، ولذلك أوصي طالب العلم إذا وجد اختلافاً بين العلماء في النوازل والمسائل أن ينظر على صيغة الأسئلة، فإنه سيجد للأسئلة وتصوير النازلة أثراً عظيماً في التأثير على المفتي.

ومن هنا أيضاً أنبّه على أنه إذا كان السائل يسألك عن شيء معين يعرفه المختصّون، فالأفضل أن تستبين ممن له خبرة وعلم بذلك التخصص، وأن لا تتعجل بحمل الجواب على ضوء إفادته قبل الرجوع إلى أهل الاختصاص.

وهنا أمور، منها: لو سألك عن أمر يتعلق بالأطباء، أو مسألة طبّيّة، فقال لك: يفعلون ويفعلون، فلا تتعجل، وتقول: الحكم كذا وكذا، قل: لا.. حتى أسمع من طبيب. يقول لك -مثلاً-: هناك عملية يموت فيها الإنسان، هل يجوز فعلها أو لا يجوز؟.

ليس من حقّ هذا السائل أن يصف العملية بكونها مفضية للهلاك أو مفضية للسلامة، فتقول: أنا لا أفتي في هذه العملية، وهذا التداوي أو هذا الدواء، حتى أسأل أهل الخبرة، هل الغالب فيه النفع، أو الغالب فيه الضرر؟.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015