ضرباته للقوتين معًا فحاصر صور وأرسل في نفس الوقت حملة إلى طهرقة في مصر؛ لكن حصار صور استمر خمسة أعوام واضطر الجيش الذي أرسله إلى مصر أن يتقهقر؛ مما أحنق أسرحدون وأثار غضبه على طهرقة، فتقدم بجيشه نحو مصر وهزم النبتاويين عند الحدود المصرية، وحينما تراجع طهرقة إلى منف تبعه الأشوريون واستولوا عليها وخربوها ولكن طهرقة فَرَّ إلى الجنوب. أما أمراء الدلتا فقد قدموا ولاءهم لآشور وأبقاهم أسرحدون في مناصبهم كولاة من قبل الآشوريين، وما إن ترك أسرحدون مصر عائدًا إلى بلاده حتى رجع طهرقة إلى الدلتا بجيش آخر جمعه من مصر العليا ومن السودان, واحتل منف ثانية وقام ببعض الإصلاحات فيها, كما استأنف علاقاته مع ملك صور.
وإذا ما نظرنا إلى حالة الدلتا في ذلك الوقت نجد أن معظم أمرائها كانوا موالين لملوك نبتة الذين كانوا ينتمون إلى أصل مماثل لأصلهم بينما كان الأشوريون يمثلون عنصرًا آخر، ولم يكن المصريون ليرتاحوا كثيرًا إلى العناصر الآسيوية وخاصة إذا دخلت هذه العناصر إلى البلاد غازية أو ذات نفوذ، ومع هذا فلا شك في أن بعض الأمراء كانوا يترددون بين الولاء لملوك نباتا والخضوع لأمراء أشور, ومن المؤكد أن طهرقة لم يعد إلى الدلتا إلا بعد أن وجد تشجيعًا من معظم أمرائها؛ حيث كتب له هؤلاء على أثر عودة أسرحدون إلى بلاده يطلبون إليه القدوم إلى مصر, واقتسام السلطة فيما بينهم1.
وقد علم الأشوريون بأمر هذه الرسائل وكان أسرحدون يستعد لإعادة فتح مصر ولكنه توفي وتبعه "أشور بانيبال" وقد تقدم هذا الأخير على رأس جيش كبير وأعاد فتح مصر؛ ففر طهرقة إلى منف ومنها إلى طيبة إلا أن جيش آشور تبعه إليها وخربها, ففر طهرقة إلى نباتا؛ بينما قبض على المتآمرين من أمراء