وَإِنَّمَا أَنْشَبَ أَهْلُ الْفِتْنَةِ الْحَرْبَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمَا إِنْ تَصَالَحَا دَارَتِ الدَّائِرَةُ عَلَيْهِمْ وَأُخِذُوا بِدَمِ عُثْمَانَ وَأُقِيمَ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ, فَقَالُوا نَشْغَلُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ, وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا.

وَأَمَّا فِي قِتَالِهِ أَهْلَ الشَّامِ فَكَانُوا هُمْ مَعَ مُعَاوِيَةَ, وَكَانَ هُوَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَأَوِّلًا يَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ وَيَرَى أَنَّهُ وَلِيَّهُ وَإِنَّ قَتَلَتَهُ فِي جَيْشِ عَلِيٍّ, فَكَانَ مَعْذُورًا فِي خَطَئِهِ بِذَلِكَ, وَأَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا وَفَالِجًا مُحِقًّا يُرِيدُ جَمْعَ كَلِمَةِ الْأُمَّةِ حَتَّى إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَخُمِدَتِ الْفِتَنُ وَطُفِئَتْ نَارُهَا أَخَذَ بِالْحَقِّ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ, وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُطَالِبِينَ بِدَمِ عُثْمَانَ, وَكَانَ السَّبَئِيَّةُ يَخَافُونَهُ أَعْظَمَ مِنْ خُصَمَائِهِ, وَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى مَا فَعَلُوهُ يَوْمَ الْجَمَلِ فَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ بُغَاةً اجْتَهَدُوا فَأَخْطَئُوا وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَاتِلُهُمْ لِيَرْجِعُوا إِلَى الْحَقِّ وَيَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ, وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ بَدْرٍ الْمَوْجُودُونَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ فِي جَيْشِهِ, وَعَمَّارٌ قُتِلَ مَعَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ؛ فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لِبِنَتَيْنِ فَرَآهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ: "وَيْحَ عَمَّارًا تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ, يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ" قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ1.

فَقَتَلَهُ أَهْلُ الشَّامِ مِصْدَاقَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَمَاعَةِ وَالِائْتِلَافِ وَإِلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ التِّى هِيَ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ, وَيَدْعُونَهُ إِلَى الْفِتْنَةِ وَالْفُرْقَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ النَّارِ, وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْعَدَ مِنْهُمْ وَأَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ لِقَتْلِهِ الْخَوَارِجَ بِالنَّهْرَوَانِ, وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ كَمَا قَدَّمْنَا" 2.

وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْأَقْرَعِ مُؤَذِّنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ إِلَى الْأُسْقُفِّ فَدَعَوْتُهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَهَلْ تَجِدُنِي فِي الْكِتَابِ؟ قَالَ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015