عليّ القانون أن أفعل، وزدت على الواجبِ النوافلَ- أن أؤلّف وأكتب، وأنقد الأخلاق والكتب والعادات، وأساهم في الجهاد الإصلاحي، وأحمل القسط الذي أطيقه من أثقال الأمة؟ ومن ذا يحمله إذا لم أحمله أنا وأمثالي من الموظفين والمتعلمين؟ وكيف تتقدم الأمة وتسير في طريقها إلى غايتها إذا لم تجد بين أبنائها من يحمل أثقالها؟
فهل يريد سيدي -أعزّه الله- أن أمحو مَلَكة الكتابة من رأسي، وأطمس نور البصيرة من قلبي، وأسدل على عيني حجاباً حتى لا أرى فأسرّ فأشكر أو أبتئس فأنقد، وأهجر الكتب حتى لا أقرأ فيفتح علي الكتاب طريقاً إلى مقالة، وأتعزّل الناس حتى لا أسمع حديثاً فأكتب عن هذا الحديث، أو قصة فأدوّن هذه القصة وأدلّ على مكان العبرة منها وموطن العظة فيها؟ فهل يريد سيدي أن أذهب إلى غار في الجبل فأحبس نفسي فيه كيلا أكتب فأزعج معاليه؟
وهل توجِب الوظيفة على صاحبها أن يكون عبداً لرؤسائه، مسخَّراً لأغراضهم ساعياً في مصالحهم، ولو كانت الطريقُ إلى إرضائهم طريقاً ملتوية معوجّة لا يسلكها رجل يعرف ما هي الفضيلة ويدري ما هو الشرف؟
وهل توجب الوظيفة على الموظف أن يكون مبتوراً من جسم الأمة، فلا يشعر بشعورها ولا يألم لألمها، ولا يحسّ أنه منها ولا يشاركها في شيء من عواطفها، في حين أن المفروض في الموظف أنه من أرقى أبناء الأمة فكراً وأوسعهم اطلاعاً وأشدّهم شعوراً بـ «الواجب العام»؟