كما كان. وكل مسرف مبذّر يعزم أن يقتصد ويزن نفقاته بميزان العقل، ولكنه يؤجل التنفيذ. وكل فاسق تدركه لحظات يسمع فيها آية أو موعظة، فيرقّ قلبه وتسمو نفسه ويعزم على التوبة ولكنه يؤجل، يقول: "سأتوب إذا جاء رمضان وأرجع إلى الله وأكون من الصالحين"، فإذا جاء رمضان قال: "سأحج وأتوب في الحج"، فإذا ذهب وقت الحج قال: "أنا الآن شاب وسأتوب إذا بلغت أواخر العمر". ويمضي العمر وهو لم يتب ولم يصلح.
* * *
ونحن لا ينقصنا العلم، بل ينقصنا الشروع في العمل بما نعلم. لا، لا ينقصنا العلم، إن كل واحد منا يعلم أن الكذب شر والصدق خير، وكل واحد منا يعلم أن للوالدين حقوقاً وأن صلة الرحم من الواجبات وأن الغش والظلم والعدوان من أسباب غضب الله، ولكنا لا نعمل بهذا الذي نعلمه.
ولقد كان أبي - رحمه الله- كلما أيقظني لصلاة الصبح يقول لي: "لا تتراخَ، اقفز قفزاً". فأتراخى وأتكاسل، ثم أتناوم فلا أرد، أو أردّ ولا أقوم، حتى يمل فيدعني.
وأنا أعض أصابعي الآن ندماً لأني لم أسمع هذه الوصية: «اقفز قفزاً». ولو أني سمعتها وعملت بها، أو لو أنه أجبرني عليها، لتغيرت حياتي ولما فشلت في إعداد هذا الحديث، ولكنت في دنياي وفي ديني خيراً مما أنا عليه اليوم.
وأنا -إلى الآن- كلما أردت أن أقوم في الصباح أحسّ هذه الكلمة، كلمة أبي تدوي في أذني: "اقفز قفزاً، قم إلى