الفلبين ونيوزيلندة، حتى تاريخها (وهو فصل كبير خطير ماجد من تاريخ الإسلام) لم نقرأ منه شيئاً وليس في الكتب التي هي تحت أيدينا شيء منه.
بل إن كثيرين من الشاميين الذين يقرؤون هذا المقال لا يعرفون بلاد الشام! لست أعني معرفة الشوارع والساحات، بل معرفة العادات والمواضعات. فمَن مِن أهل دمشق يعرف أسلوب الاحتفال بالعرس أو الختان في قرى إدلب -مثلاً- أو عزَاز؟ بل من يعرف من شبابهم كيف كانت طرائق الزواج في دمشق نفسها في القرن الذي مضى؟
فأين مَن وصف هذه العادات وسجلها من الأدباء؟ أين المقالات الوصفية والقصص والقصائد التي قيلت في نضالنا الفرنسيين في هذه المواقف الرائعة التي وقفناها ربع قرن كامل؟
إنه ليس في الدنيا أمة تجهل ديارها ولا تعرف نفسها إلا نحن العرب. إن في كل بقعة من ديارنا معدناً (أي منجماً) هو أثمن من معادن الفحم والنفط: معادن جمال ومجد، وطريف العادات وبارع الحكايات. وفي كل بلد شخصيات لا يصل إلى معرفتها التاريخ إن لم يدلّه عليها قلم الأديب، ونكت ونوادر، وأمثال سوائر، وأغان عبقريات. فلماذا يضيع ذلك كله؟
أما أجدادنا فأشهد أنهم ما قصّروا؛ ولقد وصفوا لنا حال عصرهم ورجال بلدانهم، حتى إنهم دونوا التوافه من أخبارهم والغث من كلامهم، وسجلوا أخبار عبيدهم وإمائهم، وعقلائهم ومجانينهم، وصالحيهم وطالحيهم، وهم (كما يزعم زاعمون منا)