اضطرارياً، ولولا هذا الصيام ما كان يتصور الأغنياء كيف يكون الجوع. الذي قرر المساواة في رمضان حتى صار الغني الذي يملك الملايين يشتهي كِسرة الخبز وقطرة الماء كما يشتهيها الفقير المسكين. والذي قرر المساواة مرة ثانية حين جعل مَن له كنوز الأموال يقف مع السائل الذي لا يجد عشاء ليلة، وهو يلبس لباساً مثل لباسه، ويقف من عرفة موقفاً مثل موقفه، وينام على الأرض في المزدلفة مثل منامه، ويرمي الجمار في منى وسط الزحمة مثل رميه، وهنالك في هذا الموقف الأكبر، الذي لا تعرف البشرية في كل عصورها نظيراً له، وقف محمد صلى الله عليه وسلم يقرر الحرية الشخصية، وحرية الرأي، وحرية المسكن، ويعلن المساواة بين الناس، فلا امتياز لجنس على جنس ولا لون على لون ولا أسرة على أسرة كما يمتاز الناس في أميركا في قرن العشرين وفي جنوب إفريقية! وإنما يتفاضلون بالمزايا الشخصية: بالإيمان والعلم والتقى والأخلاق. لقد قرر ذلك في خطبته التاريخية الخالدة في حجة الوداع، قبل أن تعلنه إنكلترا، وقبل الثورة الفرنسية، وقبل مبادئ ويلسون، وقبل ميثاق الأطلنطي الذي كتبوه على الماء بأكثر من ألف سنة! أعلنه إعلاناً حقيقياً تؤيده وقائع الحياة الإسلامية وأوضاع المجتمع الإسلامي، لا الإعلان الغربي الذي تُكذّبه شواهد الواقع ومظاهر الحياة في ديار الغرب.
وهي أعياد بطولة ورياضة. وما الحياة الرياضية إلاّ حياة الصبر والاحتمال وألاّ يزدهي صاحبَها النصرُ ولا تهدّه الهزيمة، وأن يستشعر الأخوّة الرياضية لشركائه في هذا الكفاح؛ وكل ذلك يتحقق على أتمه وأكمله في صيام رمضان وفي شعائر الحج.