المؤذن يمشي في جنبات الفضاء مشي الشفاء في الأجسام والطرب في القلوب، ينادي: «الصلاة خير من النوم»، فيقومون إلى الصلاة يقفون بين يدَي مصرِّف الأكوان يناجون الرحيم الرحمن، فيسري الإيمان في كل جنان، ويجري التسبيح على كل لسان، وتنزل الرحمة في كل مكان.
رمضان الذي ينيب فيه الناس إلى الله ويؤمّون بيوته، فتمتلئ المساجد بالمسلمين، متعبدين أو متعلمين لا متحدثين ولا نائمين، ففي كل بلد من بلاد الإسلام مساجدُ حُفَّلٌ بالعبّاد والعلماء، ليس يخلو مجلس فيها من مصلٍّ أو ذاكر، ولا أسطوانة من تالٍ أو قارئ، ولا عقد من مدرّس أو واعظ، قد ألقوا عن قلوبهم أحمال الإثم والمعصية، والغل والحسد، والشهوات والمطامع، ودخلوا المساجد بقلوب صفَت للعبادة وسمَت إلى الخير، قطعوا أسبابهم من عالم الأرض ليصلوها بعالم السماء، تفرقوا في البلدان واجتمعوا في الإيمان، وحّدتهم هذه القبلة التي يتوجهون كلهم إليها، لا عبادةً لها، فما يعبد المؤمن إلاّ الله، وما الحجر الأسود إلاّ حجر لا يضرّ ولا ينفع، وإنما هو رمز إلى أن المسلمين -مهما تناءت بهم الديار وتباعدت الأقطار- أمة واحدة، دائرة محيطها الأرض كلها ومركزها الكعبة والبيت الحرام.
رمضان الذي نجتلي فيه أجمل صفحات الوجود، وما كنا لنجتليها قبل رمضان. لأن الحياة سَفَرٌ في الزمان، يحملنا قطار الأعمار، فإذا قطع بنا أجمل مراحل الطريق: حيث يولد النور، وتصفو الدنيا، ويسكن الكون؛ مرحلة السحر، قطعها بنا ونحن نيام لا نفتح عليها عيوننا ولا نبصر فتونها.