رمضان الذي يجمع للصائم صحة الجسم، وصحة الروح، وعظمة النفس، ورضا الله.
إن الصيام من سنن الرياضيين، وسلوا كتب الرياضة وسلوا شيخها مكفادن. ولست طبيباً ولكني جربت بنفسي، ورُبّ مجرِّب أعرف بنفسه من طبيب، فأنا أحد من أضنتهم الرثية (الروماتزم) وحصوات الكلى، ولقد راجعت في علاجها ستة وثلاثين طبيباً، إي والله، وأحسبني جرّبت لها كل علاج، فلم أجد لها مثل الصيام. والصيام يصفّي الجسم ويطرح سمومه، وينفي عنه الفضلات ويبعد عنه الأمراض.
رمضان الذي تتحقق فيه معاني الإنسانية وتكون المساواة بين الناس، فلا يجوع واحد ويتخم الآخر، بل يشترك الناس كلهم في الجوع وفي الشبع، غنيّهم وفقيرهم؛ فيحسّ الغني بألم الجوع ليذكره -من بعد- إذا جاءه من يقول له: "أنا جوعان"، ويعرف الفقير قيمة نعمة الله عليه حين يعلم أن الغني يشتهي -على غناه- رغيفاً من الخبز أو كأساً من الماء، ويعلم الجميع حين يجلسون إلى مائدة الإفطار أن الجوع يسوّي بين المطاعم كلها: القوزي والنمّورة، وصحن الفول المدمّس وقطعة الجرادق. وليس الذي يطيّب الطعامَ غلاءُ ثمنه ولا جودة صنعه ولا حسن مائدته، ولكن الجوع الذي يشهّيه والصحة التي تهضمه، وأرخص طعام مع الصحة والجوع ألذّ من موائد الملوك لمن كان مريضاً أو شبعان. ويغدو الناس كأنهم إخوة في أسرة واحدة أو رفاق في مدرسة داخلية، يفطرون جميعاً في لحظة واحدة ويمسكون جميعاً في لحظة واحدة، فتراهم المساء مسرعين إلى بيوتهم أو