مع الناس (صفحة 23)

رمضان

نُشرت سنة 1952

لما قعدت أكتب هذا الحديث تقابلت في نفسي صورتان لرمضان: رمضان المزعج الثقيل الذي قدم يحمل الجوع والعطش؛ ترى الطعام أمامك، يدك تصل إليه ونفسك تشتهيه ولكنك لا تستطيع أن تأكله، ويلهب الظمأ جوفك والماء بين يديك ولكنك لا تقدر أن تشربه، وتكون في أمتع نومة فيأتي رمضان فيوقظك لتأكل من جوف الليل وأنت تؤثر لحظة منام على كل ما في الدنيا من طعام، وإن كنت صاحب دخان منعك من دخينتك (سيكارتك) أو نارجيلتك؛ فهو شهر مشقة وتعب وجوع وعطش.

ورمضان الحلو الجميل الذي يقوم فيه الناس في هدءات الأسحار وسكنات الليل، حين يرقّ الأفق وتزهر النجوم ويصفو الكون، ويتجلى الله على الوجود يعرض كنوز فضله على الناس ويفتح لهم باب رحمته، يقول جلّ وعلا: «ألا مِن مستغفر فأغفرَ له؟ ألا من سائل فأعطيَه؟»، فيسأل الطالب ويستغفر المذنب، فيُعطى السائل ويُغفر للتائب، وتتصل القلوب بالله فتحسّ بلذة لا تعدل لذاذاتُ الدنيا كلُّها ذرةً واحدة منها. ثم يسمعون صوت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015