أن يمدح بما ليس فيه وأن يُذكَر بما لم يعمل يخالف عن سبيل العلماء.
أروي لكم قصة وقعتْ في مدرسة القضاء الشرعي في مصر، وكان مديرها يومئذ محمد عاطف بركات. وكان من المحافظين على الصدق والمتمسكين به، وقد خلت وظيفة في المدرسة ورغب فيها أستاذان: شيخ من المشايخ وأستاذ من الأفندية، فلم يحبّ أن يردّ أحداً منهما، وسعى حتى وجد لكل منهما عملاً وأراد أن يسعفهما معاً، ولكن الوزارة قدّمت الشيخ وخصّته بالوظيفة. وجاء يشكر المدير فقال له: إن المسألة ليست في يدي، ولو كان الأمر في يدي ما عيّنتك.
-5 -
أما صدعهم بالحق وجهرهم به، فإني أروي حادثاً واحداً شاهداً عليه. لمّا توالت الهزائم على مصر في حربها مع الحبشة ووقع الخلف بين قوّادها، قال الخديوي إسماعيل لوزيره شريف باشا: ماذا ترى أن نصنع؟ قال: نجمع العلماء ليقرؤوا صحيح البخاري.
كأنّ صحيح البخاري ورد أو تميمة، وكأنّ المهم تحريك اللسان بألفاظه لا حمل القلب والجوارح على العمل بما فيه!
فجمع العلماء في الجامع الأزهر وجعلوا يقرؤونه والهزائم تتوالى، فجاء الخديوي بنفسه إلى الأزهر، فصاح بالعلماء وبالشيخ العروسي شيخ الأزهر وقال لهم بلهجة المغيظ المحنق: