عليها سفهاؤها وضعف عن حكمها عقلاؤها، وأن الناس اختلفوا وتنازعوا وفشا فيهم الغش والخداع، وأن المحاكم هجرت شرع الله وحكمت بقوانين فرنسا، وأن الناس تركوا أشغالهم واشتغلوا بالسياسة، وأن الزعماء طلبوا المال والجاه وآثروا مصالحهم على مصالح الناس، وأن الموظفين غلبت عليهم الرشوات والبراطيل والسرقات، وأننا تركنا مصنوعات بلادنا وكرهنا أزياءها وتعلقنا بأذناب الغربيين وأعطيناهم أموالنا، وأنه قد ارتفع الوِفاق وحل الشقاق، وذهب الرخاء وجاء السخط، فالرجل يختلف أبداً مع زوجته، والأب ينازعه ابنه، والشريك يسرقه شريكه، وليس فينا راضٍ ولا قانعٌ ولا سعيدٌ، ما فينا إلا شاكٍ باكٍ كاره الحياة متمنٍّ الموت؟ ... ثم إننا لم نحسّ أن هذا كله من لعنة هذه المدنية الغربية ومن ثمراتها المرة التي لا يمكن أن تثمر غيرها!
ولكن لا؛ فإن في دمشق خيراً كثيراً، لا يعرف خيرها إلا من يعيش في غيرها. إن دمشق التي يصفها الشيخ لم تمت ولا تزال تتردد ذَماؤها، فإما أن تنعشها «رابطة العلماء» ويمدها الإخلاص بالقوة حتى تنقذها، وإما أن يغلب القضاء فيموت المريض تحت يد الطبيب ...
ولن تموت دمشق الإسلامية بحول الله أبداً.
* * *