وهذا كله إنما كان تقليداً للإفرنج؛ نفعله لأنهم يفعلونه، ولأن المستعمرين قد اغتنموا غفلتنا وهجوعنا في مئة السنة (?) التي مضت وتأخرنا عنهم في طريق الحضارة المادية، فلم يدخروا جهداً ولم يألوا وسعاً في إشعارنا سبقهم إلى هذه الحضارة وتأخرنا، وعلمهم بهذه العلوم وجهلنا، وقوتهم بهذه الأسلحة وضعفنا، حتى صار تعظيمنا إياهم وهيبتنا لهم حقيقة راسخة في قلوبنا، اعترفنا بها أو أنكرناها.
وكان من نتائجها أن تركنا شريعتنا لقوانينهم، وأخلاقنا لعاداتهم، وفضائلنا لرذائلهم. وكان هذا كله تقليداً على السماع ونحن في بلادنا، فكيف إذا رآه الواحد منا بالعيان وهو في بلادهم، وكيف إذا كان الرائي شاباً ملتهب الغريزة متوقد العاطفة، يحمل بين جنبيه نفساً قد حُشيت بالبارود؟
ماذا يصنع الشاب الذي كان في بلاده يفكر في المرأة ليله ونهاره، صورتها أبداً في خياله وحديثها أبداً على لسانه، يثيره مرآها على بعد مئة متر، فصار إلى بلد يرى فيه حيثما تلفّتَ أسراب الحسان المثيرات، كاسيات عاريات مائلات مميلات، لا يكلفه نيلهن إلا أن يشير بيده فيترامين عليه، لا يحجزهن دين ولا يمنعهن عرف ولا يمسكهن حياء، في معشر يرون من المدنية أن تستباح الأعراض ويتسافح الفتيان والفتيات، قد هانت المرأة حتى صار عرضها يبذل في ملء بطنها وستر جسدها، وصارت تُنال بغذاء وكساء.