أعاني أثر هذه الفترة في عواطفي وفي أفكاري. وما ذلك لفساد مصر بل لأنني غدوت فيها طليقاً، ليس في الناس من يعرفني فيراقبني أو أعرفه فأتهيبه. وأنت في بلد فاسد، المحرمات فيها معلنة والمنكرات ظاهرة. وإنّ إلْفَ رؤية الحرام ودوام مشاهدته يهوّن على النفس اقترافه ويُذهب منها هيبته، نعرف ذلك من نسائنا المسلمات؛ كان عهدنا بالواحدة من نسائنا أنها تضطرب وتجزع إن لمحها الأجنبي من فتحة الباب أو شق النافذة، وتسرع فتتوارى، فصارت ترى الرجل فتقابل وجهه بوجهها وتثبت في عينيه عينيها. وكان الرجل إذا رأى الأجنبي ينظر إلى زوجه استكبر ذلك واستنكره، وهاج في نفسه تصوّن المسلم ونخوة العربي، فتراخى الحبل حتى صار الرجل يماشي امرأته في الشارع، ويضاحكها في الطريق، ويرافقها إلى السينما. وصار من العرب المسلمين من يقدم ابنته إلى الأجنبي ليراقصها، يدني صدره من صدرها ويلفّ ذراعه على خصرها ويلامس بساقه ساقها، وصار الأجنبي يأخذ الزوجة في هذه الحفلات الداعرة الفاجرة من زوجها ليرقص معها، فلا تستعصم المرأة ولا تأبى، ولا يغضب الزوج ولا يغار، ولا يعجب الناس ولا ينكرون!
بل لقد سرى هذا الداء إلى نساء العلماء الفصحاء، فصرن يكشفن الوجه حيث تُؤمَن الفتنة وحيث تُخشى، فإذا كشفنه لم يتحرجن من مسامرة الأجانب من الأقرباء في السهرة، ومسايرة الأجانب من الأصدقاء في السفرة. يفعلن ذلك أولاً بحضرة الزوج وإذنه، ثم يفعلنه في غيبة الزوج وبلا علمه، ثم يتبع الوجهَ الشعرُ ثم النحر، والكفّ ثم الذراعُ ثم الصدر، ثم يكون هذا الحسور وهذا الفجور.