حواصل تبن ومن داخلها جنات عدن، وهي مصيف ومشتى، وهي مسكن وملهى، وهي دار وبستان؟
ألا تزال في دمشق الأسرة كلها تعيش في المنزل الواحد: الجد والأب والأعمام والأولاد ونساؤهم وأولادهم، ثم لا تجد خلافاً ولا شقاقاً ولا دسّاً ولا كيداً؛ الصغير يوقّر الكبير ويطيعه، والكبير يرحم الصغير ويحبه، وكلٌّ يُؤْثر على نفسه ولا يحب لغيره إلا ما يحب لها؟
ألا تزال المرأة لبيتها ولزوجها، لا تقيس الطرقات ولا تقصد الأسواق ولا تعتاد منازل الخياطات؟ إن احتاجت شيئاً اشتراه لها بعلها، وإن أرادت زيارة أهلها ذهب معها، وإن اشترت ثوباً خاطته بنفسها، والحجاب سابغ، والشهوات مقموعة، والزواج شامل؛ لا يبلغ الولد عشرين إلا وله ولد، ولا تصل البنت إلى الثامنة عشرة إلا ولها ولدان؟
والبوّابات! هل زالت البوابات التي كانت تُغلق كل ليلة بعد العشاء وتسد الطرقات في وجوه لصوص الأموال والأعراض فلا تُفتح إلا لقاصد بيته أو ذاهب في حاجة مشروعة؟
والأحياء! ألا يزال في كل حيّ عقلاؤه وسادته، يسعون لخيره ويعينون عاجزه ويسعدون فقيره، ويأخذون من فضل مال الغني ما يسدّ خلة المحتاج، وإذا رأى أحدهم غريباً في الحي سأله من هو وما يكون، فلا يدخل الحي إلا رجل شريف. وإن وجد امرأة متبرجة نصحها وزجرها وبحث عن وليها ليحميها. وإن علم بأن داراً تُرتكب فيها فاحشة عقد مجلساً فدعا المؤجر