والطنطاوي والعطار والخاني والطيبي والشطي والأسطواني والكزبري والعمادي والمحاسني والمنيني والخطيب؟ ألا يزال فيها العلماء الأعلام أم تنكّب الخلف طريقَ السلف واستبدلوا الدنيا بالدين، والمال بالعلم، والمنصب بالتقوى؟ والعلماء، ألا يزالون أعزة بالدين، يُعرضون عن الملوك فيسعى إلى أبوابهم الملوك، ويزهدون في الدنيا فتقبل عليهم الدنيا، ويهربون من الولايات والمناصب فتلحقهم المناصب والولايات؟ ألا يزال الناس يعكفون في دمشق على العلم لا يريدون به إلا الله والدار الآخرة، يثنون لذلك ركَبهم ويحيون ليلهم ويكدون نهارهم، ويقنعون في أيام الطلب بما سد الرمق، وحمل الجنب، وستر العورة، لا يسألون عما غاب من ذلك أو حضر، قد فكروا في غيره وأقبلوا على سواه، فكان العلم أملهم وكانت المطالعة شغلهم وكان ثواب الله مبتغاهم، قد صغرت الدنيا في أعينهم حتى إنهم لم يروها ليتكالبوا عليها ويذلوا من أجلها، و «يضربوا» عن التعلم إن لم يصلوا إليها؟ ألا تزال هذه المدارس عامرة، يجيئها الطالب فينام في غرفها ويستمع من مشايخها ويأكل من أوقافها، ويجعلها دنياه لا دنيا له وراء جدرانها: العمرية والمرادية والنورية والبادْرائية والقلبقجية ودار الحديث وجامع التوبة وباب المُصَلَّى والدقّاق ومدرسة الخياطين وأمثالها؟ ألا تزال زاخرة بالطلاب عامرة بالعلم عاملة للإصلاح؟
ومنازل دمشق! ألا تزال تلك المنازلَ الواسعة الصحون، ذات الظل والماء، والبرك والنوافير، والأشجار والزهور، والدواوين والمجالس، والصيانة والستر، فهي من خارجها