من الناس تأخذ من الناس ولا تعطيهم، وتستجيب لدعواتهم ولا تدعوهم، وتقول لهم ولا تسمع منهم! وسمة لمن هو غريب عن عاداتهم ومواضعاتهم، صارم في وعظهم، شديد في نصحهم، لا يقبل رداً على كلام ولا جدالاً في رأي، يتكلم بـ «النحوي» ويتأخر عن الموعد ... وما هو من هذه الصفات بسبيل وما القرّاء أعرف به مني.
فمن أين جاءت هذه المشيخة التي نفّرت الناس من الدين وأبعدتهم عنه؟
أما الصدر الأول للإسلام فلم يكن يعرفها، وليس في الإسلام رجال هم وحدهم «رجال الدين» وغيرهم «رجال الدنيا»، ولكن في الإسلام علماء وجهلاء. وباب العلم مفتوح، فكل من تعلم أحكام الدين وعمل بما علمه منها كان هو المرجع فيه؛ لذلك صار عكرمة ونافع وأمثالهم من العبيد، صاروا سادة الأحرار وأساتذتهم لمّا علموا وعملوا بما علموه. وإذا عرضت سير العلماء الأولين، الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، لا تجد فيهم من اتخذ لنفسه هذه «المشيخة» ولا عرفها؛ إنها لم تُعرف إلا في قرون الانحطاط، بذور تسرّبت إلينا (إلى الصوفية) من هنا وهناك، ثم رسخت جذورها وبسقت غصونها، ثم قُرّرت قواعدها وجُعلت إحدى الشعائر الصوفية، فأوجبوا على «المريد» الطاعة العمياء لشيخه وأنْ يكون بين يديه كالميت بين يدي الغاسل، وقالوا إن من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان! ومنعوا المريد أن يحضر على غير شيخه أو يستمع منه، وحرّموا عليه أن ينكر عليه ولو رأى منه منكراً ظاهراً أو أن يعصيه ولو أمره