بما يخالف الشرع. وقاسوا ذلك قياساً فاسداً على قصة الخضر وموسى، مع أن الخضر ما عمل إلاّ بوحي {وما فعلتُهُ عن أمري} وأن الشرع حجة على الشيخ وغير الشيخ، والشيخ ليس حجة على الشرع، وإنكار المنكر واجب ولو وقع من الشيخ.
كان على الرجل إذا أراد أن يكون من العلماء أن يحمل مشقات الرحلات، ويثني الرُّكَب في المجالس، ويحيي الليالي في المطالعة، وينفق السنين في الطلب ... فهان الأمر حتى اقتصر على عشرة أذرع من الشاش وجُبّة عريضة وسبحة طويلة، ولو لم يكن تحت العمامة إلاّ رأس فارغ من العلم، ولو لم يكن في الجبّة إلاّ جسد يتربّى بالحرام! فلما رأى العوام ذلك، وأبصروا ناساً لهم زي العلماء وأفكار الجهلاء وأعمال السفهاء، ورأوهم يصفُّون الأقدام في المساجد رياء ويحركون الألسنة بالتسبيح ظاهراً، لم يعرفوا أن هؤلاء أدعياء في العلم وأن الإسلام ينكرهم ويأباهم، بل حسبوا أنهم هم العلماء وأنهم هم الصلحاء، واتخذوهم وسيلة إلى الطعن في العلم والصلاح.
وإذا أردتم أن تعرفوا مبلغ إيذاء هؤلاء القوم للإسلام فإني أسوق لكم مثلاً واحداً: قصّة رجل يرونه اليوم ركناً من أركان التربية وهو من أركان الضلال، يكره الدين وأهله ويبعد الطلاب ما استطاع عنه وعنهم. كلّمته في هذا من فمي إلى أذنه كلاماً طويلاً في مجلس حافل جمعني به في مصر، فكان من حجته أن شيخاً من هؤلاء المشايخ (ولا أقول العلماء) كان معلمَ الدين في المدرسة الابتدائية التي تعلّم فيها، وكان من وصفه، وكان من حديثه، وكان من سيرته ما نفّره من الدين وكرّهه إليه.