قلت: وما ذاك يا أخي؟ ألا تحدثني الحديث؟ هل اجترأ عليك بعض الأولاد؟
قال: وأي جراءة! كنت أقرأ عليهم درس التاريخ، فقلت لهم: "إن الفينيقيين أجدادكم (?) فيجب أن ... "، فما راعني إلاّ تلميذ منهم خبيث قد انبرى لي فجعل يرد عليّ ويناقشني ويقول: "لا؛ بل إن أجدادنا هم العرب الذين جاؤوا من سفح أبي قبيس وجنبات سلع تحت راية سيد العالم (محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم)، فحملوا إلى هذه البلاد رسالة الله ونشروا فيها نور الإسلام ونفخوا فيها روح الصحراء. ثم لم يقنع هذا الولد الخبيث بجوابي ولم يسكت ولم يَنِ يتكلم ويناقش حتى أخرسته بالقوة. قبّحه الله وقبح مَن لقّنه هذه الآراء! قبحه الله ما أشد وقاحته وأكثر سلاطته! ما جئته بحجّة إلا جاء بثلاث، ولا قلت كلمة إلا قال أربعاً ... قبح الله من لقّنه هذه الآراء!
قلت: حسبك تقبيحاً يرحمك الله. إن الذي لقّنه هذه الآراء إنما هو ... أنا! أفلا تراها أرضى للحق ولمصلحة الأمة من آرائك هذه التي جئته بها، والتي جاء بها من قبلك فريق من أعدائنا وخصومنا ففرّقوا كلمتنا وكذبوا على تاريخنا، بفرعونية ابتدعوها في مصر ما أنزل الله بها من سلطان، وفينيقية اخترعوها في الشام، وآشورية سيبتكرونها في العراق، وعفريتية سيأتون بها في ... فيما لست أدري أين؟ كأنما يرضيهم أن ننتسب للشياطين أو للقردة (أجداد دارون وشيعته) ولا ننتسب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فنقرأ تاريخها،