مع المعلمين (صفحة 165)

التودد للناس

هـ - التودد للناس: فمما يحسن بك حال غربتك أن تتودد للناس، وأن تنزل أهل البلد الذين حللت بينهم منازلهم؛ فذلك مما يُعَطِّف القلوب إليك، ويصيخ الأسماع لقولك؛ فمراعاة عقول الناس ونزعاتهم فيما لا يقعد حقًا ولا يقيم باطلًا -مظهر من مظاهر الإنسانية المهذبة.

كما أنه دليل على جودة النظر في سياسة الأمور، وعلى حسن التصرف في تقدير وسائل الخير؛ فالرجل العاقل الحكيم الحازم يحكم هذا الأمر، وينتفع به عند لقائه بالطبقات المختلفة، فتراه يَزِنُ عقول مَنْ يلاقونه، ويحسن ما تُكِنُّ صدورهم، وتنزع إليهم نفوسهم، فيصاحبهم وهو على بصيرة مما وراء ألسنتهم من عقولٍ وسرائر وعواطف، فيتيسر له أن يسايرهم إلا أن ينحرفوا عن الرشد، ويتحامى ما يؤلمهم إلا أن يتألموا من صوت الحق.

وكما أن هذا الأمر عائد إلى الألمعية التي هي في أصلها موهبة إلهية -فهو كذلك يأتي بالدربة والممارسة، وتدبر سير أعاظم الرجال، والنظر في مجاري الحوادث باعتبار؛ فهذا مما يقوي هذه الخصلة ويرفع من شأنها. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015