لأن من الطلاب من يَكْلَفُ بذلك، وأقبح ما في هذا تقليد الكفار في توافه الأمور، ومساوئ الأخلاق، كتقليدهم في الملبس، وتصفيف الطُّرَرِ، وقص الشعور؛ ظنًا منهم أن هذا الصنيع رقي وتطور.
وهذه حقيقة تغيب عن أذهان فئة من الشعوب الآخذة بالنهوض؛ فإذا رأوا أمة ذات معارف وسطوة تهافتوا على محاكاتها من غير تدبر واحتراس.
وربما سبقوا إلى ما يعد من سقط متاعها، ومستهجن عاداتها -فصبوا هممهم في تقليدها فيه، فزادوا شعبهم وهنًا على وهن، وكانوا كالعثرات تعترضه فتعوقه عن السير، أو تجعل سيره في الأقل بطيئًا.
ومتى كثر في الشعب أمثال هؤلاء الذين لا يميزون في محاكاتهم السيئةَ من الحسنة -فقد الشعب هدايته، وتجرد من أصالته وتميزه.
ولا يفلح شعب نكث يده من الدين الحق، ولا يعتز شعب نظر إلى تاريخه وأصالته بازدراء.
ولا يقدم على هذه التبعية إلا أمة تدثرت الذلة، وسهل على أفرادها الهوان.
وإلا فالأمة العزيزة هي التي تعرف مقدار ما تعطي، ومقدار ما تأخذ، ونوع ما تعطي، ونوع ما تأخذ، فتفرق بين محاكاة الأجنبي المحمودة، ومحاكاته المنبوذة، سالكة طريقًا وسطًا يكفل سعادة الأولى والآخرة. (?)