نعم يورد هذا الخلق صاحبه موارد التعب والعناء، ولكن التعب في سبيل الوصول إلى النهاية من معالي الأمور يشبه الدواء المر، فيسيغه المريض كما يسيغ الشراب عذبًا زلالًا.
تَلَذُّ له المروءةُ وهي تؤذي ... ومن يعشق يلذ له الغرام
فالمكارم منوطة بالمكاره، والسعادة لا يُعبر إليها إلا على جسر من المشقة؛ فلا تقطع مسافاتها إلا في سفينة الجد والاجتهاد. (?)
ولذلك لما كان مجد الآخرة أعظم المجد كان ابتغاؤه أعظم الغايات، وكان هو الهمَّ الأكبر للمؤمنين الصادقين ذوي الهمم العلية، والنفوس الكبير ة الزكية.
أما الدنيا فإنها -في نظرهم مهما بلغت أمجادها - قليلة القيمة في جنب الآخرة؛ لذلك فهم يحاولون أن يبتغوا فيما آتاهم الله الدارَ الآخرة مع أنهم لا ينسون نصيبهم من الدنيا.
فاستصغار متاع الدنيا، وتحقير لذائذها في نفوس الناس يرفعهم عن الاستغراق فيها، ويُكْبِر بهممهم أن يولوا وجوههم شطرها أينما كانوا؛ فلا يكن طموحك -أيها المعلم المفضال - مقتصرًا على مطعم، أو ملبس، أو ترقية، أو زيادة ثم تقف عند هذه الغاية.
قال حاتم الطائي:
لحى الله صعلوكًا مناهُ وهمُّه ... من العيش أن يلقى لبوسًا ومطعمًا