وَلما أَرَادَ الْخَلِيفَة أيد الله دولته حمل الإِمَام المستضئ بِأَمْر الله من الدَّار الَّتِي كَانَ مَدْفُونا بهَا إِلَى التربة الْمَذْكُورَة فِي الْجَانِب الغربي من بَغْدَاد أَمر بِأَن تهبأ السَّفِينَة الْمَعْرُوفَة بالزبزب وَقد غرم عَلَيْهَا مَالا جزيلا وَهِي عَجِيبَة الصَّنْعَة يجدف بهَا ملاحون عدَّة جمَاعَة مِنْهُم يجدفون فِي الْهوى من مؤخرها وَجَمَاعَة يجدفون فِي المَاء من صدرها فبرز الْأَمر النَّبَوِيّ بِحُضُور أَرْبَاب الدولة وَأهل الْعلم والصوفية والقراء وأشراف النَّاس على طبقاتهم لتحويل الإِمَام السعيد المستضئ بِأَمْر الله فَحَضَرَ النَّاس واكترى كل وَاحِد مِنْهُم سفينة على قدر وَسعه وَأخذُوا من الشموع مَا لَا يُحْصى حصرا وَلَا عدَّة فَأشْعلَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَكَانَ الشط بأسره من كلا جانبيه لَا يرى فِيهِ مَوضِع خَال إِلَّا وَفِيه سفينة أَو سمارية يزحم بَعْضهَا بَعْضًا فَكَانَت الدجلة تتقد من الْجَانِبَيْنِ كشعلة نَار من كَثْرَة الشموع الَّتِي أشعلت فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَكَانَ النَّاس قيَاما فِي أماكنهم والقراء يقرءُون الْقُرْآن وَأهل بَغْدَاد من الْجَانِبَيْنِ لَا يُحْصى عدتهمْ إِلَّا الله تَعَالَى بِحَيْثُ لم يتَخَلَّف عَن الْخُرُوج فِي تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَّا من هُوَ عَاجز لم يقدر على الْخُرُوج
وَكَانَ أستاذ الدَّار أَبُو الْفضل بن الصاحب هُوَ الْمُبَاشر لهَذِهِ الْحَال والمرتب لَهَا فَنقل رضوَان الله عَلَيْهِ وَدفن بَاقِي ليلته وأحضرت الربعات فَكَانَ النَّاس يقرءُون ويختمون وَالْعُلَمَاء يعظمون وَاحِد بعد وَاحِد إِلَى أَن مَضَت ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن وهم فِي التربة الْمَذْكُورَة فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث آخِرَة نَهَاره حضر عماد الدّين صندل الْخَادِم الْخَاص وَتقدم إِلَى النَّاس بالانكفاء فَتَفَرَّقُوا