أهل الشّرك وَعبر السُّلْطَان إِلَى الربض فَنزل فِي دَار الرئيس وَنصب عَلَيْهَا تِسْعَة من المنجنيقات الْكِبَار ورتب عَلَيْهَا جمَاعَة من الرِّجَال والأبطال يضمها صفا وَاحِدًا قُدَّام الْبَاب فَلم يزل يرميهم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أزعج من بالحصن وَلم يبْق بَينه وَبينهمْ مَانع إِلَّا الخَنْدَق الْوَاسِع العميق فَأَشَارَ السُّلْطَان بطمه وَكَانَ ذَلِك من الْأُمُور الصعاب فَأمر السُّلْطَان بِضَرْب اللَّبن وَجمع الأخشاب وَبِنَاء الْحِيطَان مُقَابلَة الربض إِلَى الخَنْدَق وتسقيفها وتأليف ستائرها وَلما تمّ ذَلِك توافدت رجال الْعَسْكَر وغلمانه على نقل مَا يرْمى فِي الخَنْدَق وتبادر النَّاس إِلَى طمه بِالتُّرَابِ فتمادى ذَلِك على تتَابع الْأَيَّام والليالي وَاسْتمرّ الْمقَام بِنَا وَطَابَتْ نفوسنا على ذَلِك
فَبينا نَحن مقيمون فِي حصارهم إِذْ وصلنا الْخَبَر باجتماع الفرنج وتحاشدهم فِي الْموضع الْمَعْرُوف بالواله وَكُنَّا قد ضايقنا الكرك أَشد مضايقة فَلم ير بدا من النهوض إِلَيْهِم وَكَانَت الطَّرِيق إِلَيْهِم ضيقَة وعرة فصابرهم أَيَّامًا فَلم يقدر على الْوُصُول إِلَيْهِم فَلَمَّا طَال ذَلِك قَالَ السُّلْطَان
الرَّأْي أَن نرحل عَنْهُم ونبعد عَن جهتهم لَعَلَّهُم يخرجُون من الضّيق إِلَى السعَة فنرجع عَلَيْهِم ونظفر بهم فَرَحل عَنْهُم وَأقَام على فراسخ يسيرَة وَترك هُنَاكَ الْأَمِير عز الدّين جاولي مطلعا فِي أَحْوَالهم فَلَمَّا رَحل عَن الْموضع رجعُوا الْقَهْقَرِي لَيْلًا وسلكوا فِي المضايق من جبل إِلَى جبل وَأتوا إِلَى الكرك فتأسف السُّلْطَان عِنْد فَوت الْغَرَض مِنْهُم وعزم على الرحيل إِلَى نابلس فَرَحل نَحْوهَا فسبى وسلب وغنم وَأقَام عَلَيْهَا يَوْمًا وَاحِدًا حَتَّى