ذا خَطَرَتْ من ذِكرِ مَيّةَ خَطرَةٌ ... على القَلبِ كادَت في فؤادِكَ تَجرَحُ
تَصَرَّفُ أهوَاءُ القُلُوبِ، وَلا أرَى ... نَصِيبَكِ مِنْ قَلبي لِغَيرِكِ يُمنَحُ
فبعض الهَوَى بالهجرِ يُمحى، فينمحي، ... وَحبّكِ عندي يَستَجِدّ وَيَرْبَحُ
وَلَمّا شَكَوْتُ الحُبّ كَيما تُثيبَني ... بوَجديَ، قالَت: إنّمَا أنتَ تَمزَحُ
بعَاداً وَإدْلالاً عليّ، وَقَدْ رَأتْ ... ضَميرَ الهَوَى بالجسْمِ كَادَ يُبَرِّحُ
لَئِنْ كانتِ الدّنيَا عليّ كَمَا أرَى ... تَبَارِيحَ مِن ذِكرَاكِ، فالمَوْتُ أرْوَحُ
قال القاضي المعافى: وهذه من قصائد ذي الرمة الطوال المشهورة المستحسنة، وأولها:
أمَنزِلَتَيْ مَيٍّ سَلامٌ عَلَيكُمَا، ... عَلى النأي، وَالنّائي يَودّ وَيَنصَحُ
ومنها:
ذكَرْتُكِ أنْ مَرّتْ بشنَا أُمُّ شَادِنٍ ... أمَامَ المَطَايَا تَشرَئِبّ وَتَسنَحُ
مِنَ المُؤلِفاتِ الرّملِ أدْمَاءُ حُرّةٌ، ... شُعَاعُ الضّحَى في مَتنِها يَتَوَضّحُ
رَأتنَا كَأنّا عَامِدُونَ لِصَيدِهَا، ... ضُحىً، فَهيَ تَنبُو تَارَةً وَتَزَحزَحُ
هيَ الشبهُ أعطَافاً وَجِيداً وَمُقلَةً، ... وَمَيّةُ أبْهَى بَعدُ مِنهَا وَأملَحُ
فهذه من أحسن الحائيات على هذا الروي، ونظيرها كلمة ابن مقيل التي أولها:
هلِ القَلبُ من دُهماءَ سالٍ فمُسمِحُ، ... وَزَاجِرَة عَنهَا الخَيَالُ المُبَرّحُ
وقول جرير:
صحَا القَلبُ عن سَلمى، وقَد برّحت به، ... وَما كانَ يلقَى من تُمَاضِرَ أبرَحُ