ثم أتيت على الشعر حتى انتهيت إلى قولي:
إذَا رَاجَعتَكَ القَوْلَ مَيّةُ، أوْ بَدَالكَ الوَجهُ منها، أوْ نَضَا الدّرْعَ سالبُه
فَيَا لكَ مِنْ خَدٍّ أسِيلٍ وَمَنطِقٍ ... رَخِيمٍ، وَمِنْ خُلقٍ تَعَلّلَ جاذِبُه
فقالت تلك الظريفة: ها هذه، وهذا القول؛ قد راجعتك وقد واجهتها، فمن لك أن ينضو الدرع سالبه؟ فالتفتت إليها مية، فقالت: قاتلك الله ما أعظم ما تجيئين به! فتحدثنا ساعة ثم قالت الظريفة: إن لهذين شأناً، فقمن بنا! فقمن وقمت معهن، فجلست بحيث أراهما، فجعلت تقول له: كذبت، فلبث طويلاً ثم أتاني ومعه قارورة فيها دهن، فقال: هذا دهن طيب أتحفتنا به مية، وهذه قلادة للجؤذر، والله لا أخرجتها من يدي أبداً. فكان يختلف إليها، حتى إذا انقضى الربيع، ودعا الناس الصيف أتاني فقال: يا عصمة! قد رحلت مي، فلم يبق إلا الآثار، فاذهب بنا ننظر إلى آثارهم، فخرجنا حتى انتهينا، فوقف وقال:
ألا يا اسلمي يا دَارَ ميّ عَلى البِلى، ... وَلا زَالَ مُنهَلاًّ بِجَرْعَائِكِ القطرُ
فَإنْ لمْ تَكُوني غَيرَ شَامٍ بقَفرَةٍ، ... تَجُرّ بهَا الأذْيَالَ صَيْفِيّةٌ كُدرُ
فقلت له: ما بالك؟ فقال لي: يا عصمة! إني لجلد، وإن كان مني ما ترى. وكان آخر العهد به.
والخبر على لفظ أبي عبد الله قال: وحدثت عن ابن أبي عدي قال: سمعت ذا الرمة يقول: بلغت نصف عمر الهرم أربعين سنة، وقال ذو الرمة:
على حينَ رَاهَقتُ الثّلاثينَ، وَارْعَوَتْ ... لِداتي، وكادَ الحِلمُ بالجَهلِ يَرْجَحُ