أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن مالك النحوي، حدثنا يحيى بن أبي حماد الموكبي عن أبيه قال: وصفت للمأمون جارية بكل ما توصف امرأة من الكمال والجمال، فبعث في شرائها، فأتي بها وقت خروجه إلى بلاد الروم، فلما هم ليلبس درعه، خطرت بباله، فأمر، فخرجت إليه، فلما نظر إليها أعجب بها وأعجبت به، فقالت: ما هذا؟ قال: أريد الخروج إلى بلاد الروم. قالت: قتلتني، والله يا سيدي، وحدرت دموعها على خدها كنظام اللؤلؤ، وأنشات تقول:
سأدعُو دَعوَةَ المُضْطَرّ رَبّاً ... يُثيبُ عَلى الدّعاءِ وَيَستَجيبُ
لَعَلّ اللهَ أن يَكفيكَ حَرْباً، ... وَيَجمعَنَا، كما تَهوَى القُلوبُ
فضمها المأمون إلى صدره، وأنشأ متمثلاً يقول:
فَيا حُسنَها إذ يَغسِلُ الدمعُ كُحلَها ... وَإذ هيَ تُذرِي الدمعَ مِنها الأنَامِلُ
صَبيحَةَ قالت في العتابِ: قَتَلتَني، ... وقتلي، بما قالت، هُنَاكَ تُحَاوِلُ
ثم قال لخادمه: يا مسرور! احتفظ بها وأكرم محلها، وأصلح لها كل ما تحتاج إليه من المقاصير والخدم والجواري إلى وقت رجوعي، فكان كما قال الأخطل:
قَوْمٌ إذا حَارَبوا شّدوا مآزِرَهُم ... دونَ النّساءِ، وَلَوْ باتَتْ بأطْهَارِ
ثم خرج، فلم يزل الخادم يتعاهدها، ويصلح ما أمر به، فاعتلت علةً شديدة أشفق عليها منها وورد نعي المأمون، فلما بلغها ذلك تنفست