فانصرفت إلى صاحبي، فأخبرته الخبر، ثم نهضنا نقود راحلتينا، حتى جاء الموعد، فلم نلبث إلا قليلاً إذا جيداء قد جاءت تمشي حتى دنت منا، فوثب إليها الأشتر، فصافحها وسلم عليها، وقمت مولياً عنهما، فقالا: إنا نقسم عليك إلا ما رجعت، فوالله ما بيننا ريبة، ولا قبيح نخلو به دونك. فانصرفت راجعاً إليهما حتى جلست معهما، فتحدثا ساعةً، ثم أرادت الانصراف، فقال الأشتر: أما فيك حيلة يا جيداء، فنتحدث ليلتنا، ويشكو بعضنا إلى بعض؟ قالت: والله ما إلى ذلك من سبيل إلا أن تعود إلى الشر الذي تعلم. قال لها الأشتر: لا بد من ذلك، ولا وقعت المساء على الأرض. فقالت: هل في صديقك هذا من خير أو فيه مساعدة لنا؟ قال: الخير كله. قالت: يا فتى! هل فيك من خيرٍ؟ قلت: سلي ما بدا لك، فإني منته إلى مرادك، ولو كان في ذلك ذهاب روحي.
فقامت فنزعت ثيابها، فخلعتها علي، فلبستها. ثم قالت: اذهب إلى بيتي، فادخل في خبائي، فإن زوجي سيأتيك بعد ساعة، أو ساعتين، فيطلب منك القدح ليحلب به الإبل، فلا تعطه إياه حتى يطيل طلبه، ثم ارم به رمياً، ولا تعطه إياه من يدك، فإني كذا كنت أفعل به، فيذهب فيحلب، ثم يأتيك عند فراغه من الحلب والقدح ملآن لبناً، فيقول: هاك غبوقك، فلا تأخذ منه حتى تطيل نكداً عليه، ثم خذه أو دعه حتى يضعه، ثم لست تراه حتى تصبح، إن شاء الله تعالى.
قال: فذهبت، ففعلت ما أمرتني به، حتى إذا جاء القدح الذي فيه اللبن أمرني أن آخذه فلم آخذه، حتى طال نكدي، ثم أهويت لآخذه، وأهوى ليضعه، واختلفت يدي ويده، فانكفأ القدح، واندفق ما فيه، فقال: إن هذا طماح مفرط. وضرب بيده إلى مقدم البيت فاستخرج منه سوطاً مفتولاً كمتن الثعبان المطوق، ثم دخل علي،