أنبأنا محمد بن الحسين الجازري، حدثنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا، حدثنا الحسين ابن القاسم الكوكبي، حدثنا عبد الله بن محمد القرشي، حدثنا محمد بن صالح الحسني، حدثني أبي عن نمير بن قحيف الهلالي قال: كان في بني هلال فتىً يقال له بشر، ويعرف بالأشتر، وكان سيداً حسن الوجه، شديد القلب، سخي النفس، وكان معجباً بجارية من قومه تسمى جيداء، وكانت الجارية بارعةً، فاشتهر أمره وأمرها ووقع الشر بينه وبين أهلها، حتى قتلت بينهم القتلى، وكثرت الجراحات، ثم افترقوا على أن لا ينزل أحد منهم بقرب الآخر.
فلما طال على الأشتر البلاء والهجر جاءني ذات يوم، فقال يا نمير! هل فيك من خيرٍ؟ قلت: عندي كل ما أحببت. قال: أسعدني على زيارة جيداء، فقد ذهب الشوق إليها بروحي، وتنغصت علي حياتي، قلت: بالحب والكرامة، فانهض إذا شئت.
فركب وركبت معه، فسرنا يومنا وليلتنا، حتى إذا كان قريباً من مغرب الشمس نظرنا إلى منازلهم، ودخلنا شعباً خفياً، فأنخنا راحلتينا، وجلين، فجلس هو عند الراحلتين، وقال: يا نمير! اذهب، بأبي أنت وأمي، فادخل الحي واذكر لمن لقيك أنك طالب ضالةً، ولا تعرض بذكري بين شفةٍ ولسان، فإن لقيت جاريتها فلانة الراعية، فأقرئها مني السلام، وسلها عن الخبر، وأعلمها بمكاني.
فخرجت لا أعذر في أمري حتى لقيت الجارية فأبلغتها الرسالة، وأعلمتها بمكانه، وسألتها عن الخبر، فقالت: بلى، والله، مشدد عليها، متحفظ منها، وعلى ذلك فموعدكما الليلة عند تلك الشجرات اللواتي عند أعقاب البيوت.