ودخل ابن سريج، فاستشرحهم ما جرى، فشرحوه، فقال ابن سريج لابن داود: أولاً يا أبا بكر أعزك الله! هذا قول، مَن من المسلمين تقدمكم فيه؟ فاستشاط أبو بكر من ذلك، وقال: أتقدر أنّ من اعتقدت أن قولهم إجماع في هذه المسألة، إجماع عندي؟ أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافاً، وهيهات أن يكونوا كذلك. فغضب ابن سريج وقال له: أنت يا أبا بكر بكتاب الزهرة أمهر منك في هذه الطريقة. فقال أبو بكر: وبكتاب الزهرة تعيرني! والله ما تحسن تستتم قراءته قراءة من يفهم، وإنه من أحد المناقب إذ كنت أقول فيه:
أُكَرّرُ في رَوْضِ المَحَاسنِ مُقلَتي، ... وَأمنَعُ نَفسِي أنْ تَنَالَ المُحَرَّمَا
رَأيتُ الهَوَى دَعوَى من الناس كلّهم، ... فَمَا إنْ أرَى حُبّاً صَحِيحاً مُسلَّمَا
وَيَنطِقٌ سِرّي عَن مُتَرْجَمِ خاطرِي، ... فَلَوْلا اختِلاسٌ رَدَّهُ لَتَكَلّمَا
؟
أخبرنا الأزجي، حدثنا علي بن عبد الله: كتب الحسين بن منصور إلى أخبرنا بن عطاء: أطال الله لي حياتك، وأعدمني وفاتك، على ما أحسن ما جرى به قدر، أو نطق به خبر، مع ما أنّ لك في قلبي من لواعج أسرار محبتك، وأفانين ذخائر مودتك، ما لا يترجمه كتاب، ولا يحصيه حساب، ولا يفنيه عتاب، وفي ذلك أقول:
كَتَبتُ، وَلَمْ أكتُبْ إلَيكَ، وَإنّمَا ... كَتَبتُ إلى رُوحي بِغَيرِ كِتابِ
وَذلكَ أنّ الرّوحَ لا فَرْقَ بَينَها ... وَبَينَ محبّيها بِفَضْلِ خِطابِ
فكلُّ كِتَابٍ صَادِرٍ مِنكَ وَارِدٌ ... إلَيكَ، بِلا رَدّ الجَوَابِ، حَوَابي